ليس من الصعب إثبات حاجة الولايات المتحدة للمهاجرين من ذوي المهارات العالية. وكل هؤلاء من حملة درجة الدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا يساعدون على بناء البنية التحتية المتقدمة للبلاد، مع إضافة مخزون رأس المال البشري وتوليد الثروة الوطنية. وكما ذكر تقرير خدمة أبحاث الكونجرس لعام 2016، «ينظر الكثيرون إلى قوة العمل هذه كحافز للقدرة التنافسية الاقتصادية العالمية في الولايات المتحدة، وهي تعتبر بالمثل عاملاً أساسياً للخيارات التشريعية التي تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي». أما المهاجرون من ذوي المهارات المتدنية فهم أقل تفضيلاً من قبل الاقتصاديين، وهم هدف أسهل للجماعات المناهضة للهجرة. ويمتنع الرئيس دونالد ترامب بشكل كبير عن مهاجمة المهاجرين الآسيويين، الذين يميلون إلى أن يكونوا أكثر تعليماً ومهارة. بيد أنه يبث الافتراءات حول المكسيكيين دون ردع. والمهاجرون غير المهرة أو من ذوي المهارات المنخفضة يخرجون بالفعل من الصورة الوطنية. وكما كتب خبير السكان «ويليام فراي»، فإن الوافدين المولودين في الخارج خلال الفترة من 2011-2015 هم أكثر تعليما من أسلافهم: «وبعبارة أخرى، فإن (48%) من المهاجرين الوافدين مؤخراً هم من خريجي الكليات، مقارنة بـ 28% فقط من القادمين قبل ذلك. وعلاوة على ذلك، فإن عدداً أقل لم يحصلوا على التعليم الثانوي (بنسبة 19%) مقارنة بهؤلاء الذين وصلوا قبل ذلك (بنسبة 30%). والشكوى النموذجية بشأن المهاجرين من ذوي المهارات المنخفضة هي أنهم يساعدون على خفض الأجور بالنسبة للمواطنين ذوي الدخول المتدنية الذين يعانون بالفعل. (بعض الذين يشكون من الضغط الهبوطي على الأجور يبدون أقل اهتماما بتعزيز الفقراء العاملين عندما لا ينطوي ذلك على تقييد المهاجرين.) إن الزعم بشأن الأجور معقد ومتنازع عليه، ولكن حتى افتراض أن المهاجرين ذوي المهارات المتدنية لهم تأثير صغير، لكنه مهم على تراجع الأجور، فإن تقييد دخولهم هو استجابة مشحونة. وهناك مهنتان من أسرع المهن نمواً في العقد المقبل – وهما العمل في مجال الخدمة الصحية المنزلية والمساعدة في مجال الرعاية الشخصية للمسنين من جيل طفرة الإنجاب (المولودون بين 1946 و1965) – تتطلب حدا أدنى من التعليم وتقدم أجورا تصل إلى نحو 22 ألف دولار سنوياً. ولا يصطف السكان الأصليون للقيام بهذه الواجبات. وبالمثل، فإن قطاع الزراعة، الذي يعاني بالفعل نقصاً في العمالة، لن تجد العديد من المواطنين – أو الروبوتات –الحريصين على حصد الفراولة أو العديد من المحاصيل الأخرى. ومنح مزايا للمهاجرين المهرة على هؤلاء من ذوي المهارات المتدنية ليست فكرة جديدة، وسياسة الهجرة الأميركية تفعل ذلك منذ عقود. بعد الذعر الوطني الذي أعقب الإطلاق الروسي للقمر الصناعي الروسي«سبوتنيك» عام 1957، قال مدير الشؤون الأمنية والقنصلية بوزارة الخارجية الأميركية «رودريك أوكونور» إن عصر «العمالة الجماعية من أي مصادر» قد ولى. وأضاف «لقد أكد القمر الصناعي سبوتنيك بشكل كبير على حاجة مختلفة. اليوم نحن بحاجة إلى علماء وفنيين. نحن بحاجة إلى أشخاص مهنيين، وأطباء ومعلمين. وباختصار، نحن بحاجة إلى مهاجرين متخصصين من ذوي المهارات العالية». لقد وجدت هذا المقطع عام 1958 في أطروحة ل«فيليب وولجين»، خبير في شؤون الهجرة بمركز التقدم الأميركي. «هذه المناقشات ليست جديدة»، بحسب ما قال «وولجين» عبر البريد الإلكتروني. وأضاف (لقد تحدثت في أطروحتي قليلا عن هذا الجدل، في الفترة التي سبقت مشروع قانون الهجرة لعام 1965، حول ما كان يطلق عليه في ذلك الوقت مهاجري «البذرة الجديدة» –وهم أساساً مهاجرون بلا مهارات أو روابط عائلية). لقد كان مهاجرو «البذرة الجديدة» هم المناضلون القساة وغير المتعلمين الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة وشقوا طريقهم. وتحدث النائب «إيمانويل سيلر» من نيويورك، الذي شارك في إعداد مشروع قرار الهجرة لعام 1965، عن مهاجري البذور الجديدة الذين «فتحوا الحدود، وبنوا خطوط السكك الحديدية، وأرسوا أسس الصناعة»، بحسب ما كتب وولجين في أطروحته. وقال السيناتور «استيس كيفافير»(ولاية تينيستي) إنهم كانوا «الرواد الأقوياء المحبين للحرية»، الذين شكلوا «البذرة الجديدة لوجودنا القومي». في النهاية، فرضت الولايات المتحدة قيوداً على الهجرة الشرعية لذوي المهارات المتدنية مع السماح ضمنياً بالهجرة عبر القنوات غير الشرعية. وترتبط الحجج الاقتصادية لهجرة ذوي المهارات المتدنية، ولكنها لا تطابق، مع حجة البذور الجديدة، والتي هي في الأساس تعد زعماً للارتباط المستمر بالحلم الأميركي. ويزعم ترامب وغيره من المواطنين الأصليين أن المهاجرين الفقراء يتسكعون لجمع المساعدات الاجتماعية، ولكن باستثناء اللاجئين وطالبي اللجوء، فإن المهاجرين الجدد ممنوعون من الحصول على معظم المزايا العامة، بما في ذلك البرامج التي تستخدم أموال الضرائب. إن إغلاق الباب أمام المهاجرين من ذوي المهارات المتدنية، والتخلي عن البذور الجديدة، لا يتعلق بحماية الخزانة العامة، بل يتعلق بتصميم تركيبة الأمة، مثل الجهود السابقة لمنع الآسيويين، أو تقييد هجرة القادمين من جنوب أوروبا. فرانسيس ويلكينسون* *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»