ربما يغفل الراغبون في إلغاء أو تعديل صفقة إيران النووية أن هناك خياراً ثالثاً قوياً، وهو ترك مصيرها للأقدار. ويوم 12 مايو هو الموعد النهائي الذي يقرر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات التي تشل حركة الاقتصاد الإيراني، والتي رفعتها الصفقة التي كان يراد منها توفير الشفافية في القيود المؤقتة على تطور إيران النووي. وهذه الصفقة مهمة، لكن هناك أموراً أكثر إلحاحاً من مصير الصفقة النووية، وتحديداً مصير النظام الإيراني الحاكم. وأي تفكير في إلغاء الصفقة أو الإبقاء عليها يجب أن يتضمن النظر في مدى تأثير هذا على النظام الحاكم والمعارضة المؤيدة للديمقراطية في إيران. فما حدث منذ اندلاع احتجاجات ديسمبر الماضي على امتداد البلاد تسبب في سلسلة من الأزمات لرجال الدين الحاكمين في إيران، مما شكل أخطر تهديد لمشروعية النظام منذ ثورة الخميني عام 1979. وفي موضوع أزمة العملة، هناك بالفعل حالة من التكالب على سحب الأموال من بنوك إيران، حيث فقد الريال الإيراني ثلث قيمته عام 2018 مقابل الدولار الأميركي. وهناك أيضاً أزمة بيئية في إيران، حيث ذكرت "رويترز" الشهر الماضي أن عدداً من الاحتجاجات اندلع في أنحاء البلاد بسبب الجفاف المستمر والحلول الفاشلة للحكومة. وقد ترك المزارعون أراضيهم. وبدأ النظام الحاكم يعتقل نشطاء البيئة. وتذيع الدولة إعلانات تحث على المحافظة على مياه الشرب. وأخيراً هناك أزمة السياسة الخارجية. فقد كان تسريب الميزانية الرسمية أحد محفزات الجولة الأولى من الاحتجاجات الحاشدة في ديسمبر ويناير. وأظهرت الميزانية المسربة أن قوات الحرس الثوري الإيراني تنفق مليارات الدولارات في حروبها بالوكالة في سوريا واليمن، بينما معدل البطالة في الشباب الإيراني يواصل ارتفاعه. وهذا أحد الأسباب الكثيرة التي جعلت المحتجين يرددون شعارات تطالب إيران بالتركيز على مشاكلها الداخلية، وتتوقف عن نشر الفوضى في الخارج. وهذه العوامل تفسر أيضاً عدم قدرة النظام على تهدئة الاحتجاجات بالطريقة التي اتبعها عام 2009 في أعقاب انتخابات رئاسية مزورة، أي عن طريق اعتقال الصفوة الحضرية. فهذه المرة، انتشرت الاحتجاجات في طبقات مختلفة من المجتمع الإيراني. وأشار علي رضا نادر، وهو متخصص إيراني سابق في شركة «راند»، إلى أن حتى الأشخاص الذين كانوا ذات يوم داخل النظام، مثل الرئيس السابق أحمدي نجاد، يتوقعون نهاية للنظام الحالي. وكتبت الصحفية الإيرانية جنيف عبده في «بلومبيرج»، الأسبوع الماضي، عن جدل محتدم حالياً واحتجاج على احتجاز آية الله حسين شيرازي، رجل الدين البارز الذي تحدى سلطة خامنئي. وذكر كاتب هذه السطور الشهر الجاري أن شيرين عبادي، الناشطة الإيرانية الحائزة جائزة نوبل، وعدداً آخر من النشطاء، يدعون حالياً إلى تغيير محلي للنظام من خلال استفتاء برقابة أممية، يلغي تماماً منصب المرشد الأعلى للجمهورية. وكل ذلك يقدم فرصة لترامب وماكرون وميركل. ولا تستطيع أوروبا والولايات المتحدة تولي أمر التمرد في إيران ولا يجب عليها ذلك. لكن القوى الغربية الكبرى تستطيع فتح قناه لدعم التمرد مستقبلًا. وهناك عدد كبير آخر من الإيرانيين المقيمين خارج البلاد يستطيعون تمهيد الطريق للغرب لينسق سياسات التضامن مع الشعب الإيراني الساعي للإطاحة برجال الدين من الحكم. فأي مسعى لإصلاح الصفقة الإيرانية قد ينقذ النظام في وقت يجب على العالم أن يتركه يسقط. واتخاذ خطوة في الاتجاه المعاكس، مثل إعادة فرض عقوبات، قد يعطي النظام ذريعة لإثارة أزمة نووية، وتشتيت انتباه الشعب الإيراني عن سوء إدارته للبلاد. إيلي ليك* *كاتب أميركي متخصص في شؤون الأمن القومي والاستخبارات ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»