في فبراير عام 1972، التقى ريتشارد نيكسون، الذي يُعد من أكثر الرؤساء الأميركيين مناوءة للشيوعية في تاريخ الولايات المتحدة، في بكين مع الزعيم الثوري الصيني ماو تسي تونغ. كانت تلك مناسبة تاريخية بشّرت بنهاية واحدة من أمرّ المواجهات بين دول كبرى في العلاقات الدولية الحديثة. وقد استطاع نيكسون إعداد وترتيب هذه المفاجأة الاستراتيجية بفضل ما يتمتع به من توجهات محافظة وبالاستناد إلى حقيقة أن لدى كل من الولايات المتحدة والصين أسباباً قوية ووجيهة للتعاون والعمل معاً ضد عدوهما المشترك في حينه الاتحاد السوفييتي. ومنذ ذلك الوقت كانت ثمة تكهنات كثيرة بشأن إمكانية أن يكرر رؤساء أميركيون هذه السابقة ويقوموا بالتقارب مع أعداء تاريخيين؛ حيث كانت ثمة آمال في إمكانية أن يتوصل الرئيسان بيل كلينتون وباراك أوباما لتسوية بشأن العداء المستحكم بين الولايات المتحدة وإيران، عبر محاولة التقرب من رؤساء إيرانيين إصلاحيين مثل محمد خاتمي وحسن روحاني. والآن يأمل الرئيس ترامب أن يحقق ما يعتقد كثيرون أنه مستحيل، أي التوصل إلى اتفاق تاريخي مع كوريا الشمالية على إنهاء النزاع الذي يبلغ عمره سبعين سنة فوق أرض شبه الجزيرة الكورية. ترامب وكيم جونغ أون وافقا على عقد اجتماع قمة في وقت لاحق من هذا الصيف في مكان محايد، قد يكون السويد أو سويسرا أو سنغافورة. وهدف ترامب من لقاء القمة هو الحصول على نزع كامل للأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، ما يعني تفكيكاً للترسانة النووية والصاروخية الهائلة التي تمتلكها كوريا الشمالية في الأخير. أما هدف كيم، فهو ضمان أمن النظام وقبول كوريا الشمالية كدولة عادية من قبل المجتمع الدولي. وهذان الهدفان لا يمكن تحقيقهما إلا إذا كانت كوريا الشمالية مستعدة للتخلي عن أسلحتها النووية مقابل تنازلات دبلوماسية وسياسية واقتصادية واتفاق على قيام الولايات المتحدة في الأخير بسحب قواتها العسكرية من كوريا. بيد أن قلة قليلة من المراقبين تعتقد أن هذه الأهداف قابلة للتحقق ضمن أي إطار زمني، وذلك على اعتبار أن برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي هو أهم ورقة يمتلكها النظام وأفضل ضمانة لبقائه. إذ سبق لنخبته أن شاهدت ما حدث لحكام مستبدين آخرين تخلوا على قدراتهم النووية مقابل اتفاق مع الغرب. فقد قُتل كل من صدام حسين ومعمر القذافي في نزاع عسكري مع الولايات المتحدة وحلفائها. واستنتاج النخبة الكورية الشمالية هو أنه لو أن هذين الزعيمين حافظا على قدراتهما النووية، لكان مصيرهما مختلفاً جداً. ومن جهة أخرى، فإن أي اتفاق مثمر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار رغبات ومصالح كوريا الجنوبية والصين واليابان، ضماناً لتعاون هذه الدول المهمة وذات التَّماس المباشر مع الأزمة في شبه الجزيرة الكورية. ذلك أن هذه البلدان الثلاثة مرتبطة ومعنية بالأوضاع الجيوسياسية للمنطقة أكثر من الولايات المتحدة نفسها. وعلى الرغم من أنه لدى الولايات المتحدة وجوداً عسكرياً كبيراً في كل من كوريا الجنوبية واليابان، إلا أنها تستطيع سحب قواتها، كخيار أخير. ومن الموضوعات التي ستكون حاضرة بقوة في أذهان كل من المفاوضين الأميركيين والكوريين الشماليين هو مصير «مخطط العمل الشامل المشترك»، أي الاتفاق النووي الإيراني. ذلك أنه سبق لترامب أن قال إنه سينسحب من هذه الاتفاقية الدولية إذا لم يتم إدخال تعديلات مهمة عليها من أجل جعل برنامج إيران النووي أكثر شفافية. لكن لا أحد من المشاركين الآخرين في الاتفاقية يعتقد أن مثل هذه التغييرات ممكنة. كما أن إيران أعلنت بشكل صريح أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق وفرضت عقوبات ضد إيران، فإن هذه الأخيرة ستستأنف برنامجها للتخصيب النووي. وعلاوة على ذلك، فإن منتقدي ترامب يقولون إنه في حال نقضت الولايات المتحدة مثل هذا الاتفاق، فلماذا ينبغي لكوريا الشمالية أن تصدّق أي وعد أميركي لها إنْ تخلت أو جمّدت برنامجها النووي؟ ترامب من المفترض أن يتخذ قراراً بشأن الاتفاق النووي مع إيران بحلول الثاني عشر من مايو المقبل، الأمر الذي يمكن أن يكون له تأثير كبير على فرص أي اتفاق مع كوريا الشمالية. فإذا لم يقدم ترامب مقترحاً ذا مصداقية لتلبية توقعات من يريدون منه التخلي عن الاتفاق النووي مع إيران والكوريين الشماليين الذين يريدون دليلا على أنه مفاوض جاد، فإن كلا الاتفاقين يمكن أن ينتهيا على نحو سيء ويزيدا من احتمالات تعاظم الانتشار النووي. وهو ما سيمثل كارثة لكل من الشرق الأوسط وشرق آسيا. كما أن من شأنه أن يهز صورة ترامب كرجل دولة ناجح يمكن الوثوق فيه. وهذا بدوره من شأنه إضعاف الدبلوماسية الأميركية وبالتالي إضعاف سمعة الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى.