فقد «مات بيفين» الحاكم الجمهوري المحافظ لولاية كنتاكي صوابه في الأيام القليلة الماضية، بعد أن أضرب آلاف من معلمي المدارس في ولايته عن العمل، ما اضطر مدارس كثيرة إلى الإغلاق في ذالك اليوم احتجاجا على معارضته تعزيز التمويل للتعليم. ورد بيفين باتهام غريب قال فيه: «أوكد لكم أنه في مكان ما في كنتاكي اليوم هناك طفل ما تُرك في المنزل تعرض لاعتداء جنسي لأنه لم يكن هناك شخص ما يرعاه» (!). واعتذر بيفين فيما بعد، لكن اندفاعه الجانح له جذور عميقة على مستوى الولاية وعلى المستوى المحلي. فالولع بخفض الضرائب دفع الجمهوريين نحو ما يرقى إلى حرب على التعليم وبخاصة ضد معلمي المدارس. وهذه الحرب هي السبب الذي يجعلنا نشهد إضرابات المعلمين في عدد من الولايات. وهناك أشخاص مثل بيفين يجدون صعوبة في فهم الواقع الذي أوجدوه. ولفهم كيف وصلوا إلى هذه المرحلة يتعين علينا أن نعرف ما تفعله الحكومة في أميركا بدولارات الضرائب. فهناك عبارة قديمة تشير إلى أن الحكومة الاتحادية هي بالأساس شركة تأمين لها جيش. والإنفاق على غير الدفاع يهيمن عليه التأمين الاجتماعي وبرنامجي ميديكير وميديكايد. وحكومات الولايات والمحليات هي بالأساس دوائر للمدارس بها أقسام شرطة. ويمثل التعليم أكثر من نصف قوة العمل في الولايات والمحليات، والخدمات الحمائية، مثل الشرطة والمطافي تمثل جانباً كبيراً من قوة العمل المتبقية. فماذا يحدث حين يتولى محافظ متشدد أمر ولاية ما كما حدث في جانب كبير من البلاد بعد موجة حزب الشاي عام 2010؟ لقد سعوا دون كلل إلى تقليص الضرائب. ويجري الترويج عادة لهذا التقليص بصحبة وعد بأن خفض الضرائب سيقدم دعما كبيرا لاقتصاد الولاية. لكن هذا الوعد لا يجري الوفاء به أبدا. ويمثل إيمان اليمين الراسخ بالتعويض السحري لتقليص الضرائب انتصاراً للأيديولوجية على الأدلة المناقضة لهذه الأيدلوجية. وهذا لأن تقليص الضرائب يؤدي إلى تقليص كبير في العائدات ويضر بشدة بأموال الولاية. وغالبية كبيرة من الولايات يُلزمها القانون أن تحقق التوازن في ميزانياتها. وهذا يعني أنه حين تنخفض عائدات الضرائب، لا يستطيع المحافظون الذين يديرون عدداً كبيراً من الولايات فعل ما يفعله ترامب وحلفاؤه في الكونجرس على المستوى الاتحادي، وهو تضخيم العجز في الموازنة، بل يتعين عليهم خفض الإنفاق. ومع الأخذ في الاعتبار محورية التعليم في ميزانيات الولايات والمحليات، فهذا يضع معلمي المدارس في مرمى النيران. لكن كيف تستطيع الحكومات توفير الأموال في التعليم؟ تستطيع تقليص عدد المدرسين مما يعني عدداً أكبر من التلاميذ في الفصل الواحد، ما يثير غضب الآباء. ويمكن تقليص البرامج للأطفال أصحاب الاحتياجات الخاصة. لكن كل هذا لا يوفر إلا القليل من المال، رغم ما فيه من وحشية. والشيء نفسه ينطبق على تقليص الكلفة، مثل إهمال صيانة المدارس وتقليص إمدادات المدارس لدرجة تجعل المدرسين يكملون ميزانيات المدارس غير الكافية من جيوبهم في نهاية المطاف. وبالتالي، فإن ما تفعله الحكومات المحافظة في الولايات هو بالأساس الضغط مادياً على المدرسين أنفسهم. وتعليم الأطفال لم يكن قط وسيلة للإثراء، لكن كون المرء معلماً في مدرسة كان يرسخ قدمه في الطبقة المتوسطة، مع الحصول على دخل معقول ومزايا جيدة. وفي أنحاء واسعة من البلاد لم يعد هذا صحيحاً. وعلى المستوى القومي، انخفض دخول معلمي المدارس العامة فيما يتجاوز معدل التضخم منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وانخفض بنسبة أكبر عن دخول العمال الآخرين الذين يمكن مقارنتهم بالمعلمين. والمزايا التي يحصل عليها المعلمون تتدهور، لذلك أصبحوا مضطرين لدفع جزء يتزايد من أقساط تأمينهم الصحي، وهو عبء كبير في الوقت الذي يتقلص فيه ما يكسبونه. لذا نجد أنفسنا أمام بلاد يشعر فيها المعلمون الذين نعتمد عليهم في إعداد أطفالنا للمستقبل، كأنهم من العاملين الفقراء الذين لا يجدون ما يسدون به احتياجاتهم الأساسية ما لم يقوموا بوظيفة أخرى. والمعلمون لا يمكنهم تحمل الأمر أكثر من هذا. وهذا يعود بنا إلى جموح بيفين. فربما يكون رد الفعل المضاد لأوباما هو ما أسلم عدداً من حكومات الولايات إلى أيدي متطرفي اليمين. وهؤلاء يؤمنون حقاً أن بوسعهم تحقيق يوتوبيا تحررية منخفضة الضرائب ذات حكومة صغيرة. لكنهم لن يتمكنوا من هذا على الأرجح. فقد استطاعوا لفترة من الوقت تفادي عواقب فشلهم بتقليص تكلفة موظفي القطاع العام، خاصة معلمي المدارس، لكن هذه الاستراتيجية بلغت ذروتها. فماذا بعد إذن؟ بول كروجمان كاتب أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد ينشر برتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»