من الحقائق المثيرة للقلق بشأن انتخابات عام 2016 الرئاسية، أنه بينما رفض عدد من الجمهوريين البارزين، تأييد دونالد ترامب، كان العضو الجمهوري الوحيد في الكونغرس، الذي أيد هيلاري كلينتون هو النائب «ريتشارد إل. حنا» (نيويورك)، الذي كان على وشك التقاعد آنذاك. أما الجمهوريون الآخرون المؤيدون لهيلاري، فكانوا إما ممن شغلوا منصب رسمية في السابق، أو كانوا أشخاصاً من أمثالي لم يسبق أن شغلوا مناصب في الأصل. حتى أولئك الجمهوريين الذين رأوا حينذاك أن ترامب غير مؤهل للحكم، كانوا غير راغبين في دعم المرشح الوحيد الذي كان يمكن أن يهزمه. وبالنسبة لي، لم يكن دعم هيلاري قراراً صعباً: فقد كانت مؤهلة، ووسطية، ولم يشبها سوى بعض المسائل الأخلاقية التي وإن كانت حقيقية، فإنها كانت تتضاءل عند مقارنتها بمثيلتها لدى ترامب. لهذه الأسباب، كنت أتوقع أن يقوم العديد من الجمهوريين البارزين بحملة من أجل هيلاري. لكن هذا لم يحدث! جزء من ذلك كان يرجع، بلا شك، للنفور من هيلاري، أو للشعور بالإجهاد. لكن الكثير منهم كان له علاقة بالرغبة في تشويه الديمقراطيين، وعلاقة بالولاء الحزبي الذي طالما كان يمثل أهمية مركزية بالنسبة للهوية الجمهورية، تماماً مثلما كانت شيطنة الجمهوريين والولاء الحزبي تمثل أهمية مركزية لهوية الديمقراطيين. لقد أصبحت السياسة الأميركية مستقطبة للغاية، بحيث بات عبور الخط الفاصل بين الحزبين، أمراً أصعب من أي وقت مضى. من الأمثلة الدالة على ذلك، السيناتور بوب كوركر (جمهوري- تينيسي)، الذي وصف ترامب بأنه «غير صادق البتة»، وقال إن الرئيس قد يضع البلاد «على الطريق إلى حرب عالمية ثالثة»، كما حذّر من أن البيت الأبيض قد تحول ليصبح «مركزاً للرعاية النهارية للبالغين»، لأن أفراد طاقم الرئيس لديهم «معرفة بطرق السيطرة عليه». كما قال إن ترامب «يقلل من شأن نفسه إلى مستوى يهين بلدنا». ومع كل ذلك، يقول كوركر إنه إذا تم إجراء انتخابات بين ترامب وهيلاري مرة أخرى اليوم، فإنه «ربما» يكون مازال راغباً في التصويت لمصلحة ترامب. الأهم من ذلك، أن كوركر، لن يؤيد السيناتور الديمقراطي المرشح لخلافته في مجلس الشيوخ وهو «فيل بريديسين»، رغم أنه من الواضح كان يرغب في ذلك. فبريديسين، الحاكم السابق لولاية تينيسي، وهو رجل وسطي كما يفترض من عضو ديمقراطي، حيث عارض فرض ضريبة دخل في الولاية، وقلص مخصصات البرامج الطبية للفقراء فيها، وأيّد حق المواطنين في حمل السلاح. أما المرشح الجمهوري الذي سيحل محل كروكر، فهو النائبة مارشا بلاكبيرن، وهي «ترامبوية» نموذجية، أيدت ترامب في ترويجه لمزاعم حول صحة شهادة ميلاد الرئيس باراك أوباما، وفي رغبته الملحة لحظر قدوم المسلمين إلى الولايات المتحدة، وفي خطته غير الواقعية لبناء جدار حدودي. كما رددت انتقادات ترامب للاعبي دوري كرة القدم الأميركية الوطني المنحدرين من أصول أفريقية الذين رفضوا الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني. لكن بعد أن قال كوركر إنه لن يقوم بحملة ضد بريديسين، تعرض للتوبيخ من قبل السيناتور «ميتش كاكونيل» (جمهوري- كنتاكي) زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وبعدها ظهر كوركر على شاشة التلفزيون يوم الأحد الماضي، ليقول إنه يخطط لدعم «هذا الشخص»، «كمرشح لنا». لم يستطع حتى أن يجبر نفسه على نطق اسم بلاكبيرن. بدا كروكر وهو يقول ذلك كما لو كان محتجزاً كرهينة، وكان منظره مؤلماً للغاية. ينبغي أن نحث الناخبين على تأييد الديمقراطيين، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لكبح جماح الرئيس، الذي يهدد سيادة القانون. لكن الواقع أن قلة قليلة من الجمهوريين هي التي تفعل ذلك، وهو ما يرجع إلى مزيج من خداع الذات، والسعي لتحقيق المصلحة الذاتية. وهؤلاء السياسيون يفضلون تجاهل ما أصبح عليه الحزب الجمهوري بالفعل، وهو أنه تحول لوسيلة لشن حرب ثقافية على النمط الترامبي، حرب يغذيها هوس ترامب بذاته، وحمايته من المساءلة عن أفعاله. ليس السياسيون الجمهوريون فقط هم الذين ينطبق عليهم ذلك، فالحقيقة أن كبار الشخصيات المانحة للتبرعات، باتوا على نفس القدر من الافتقار للشجاعة. لكن هناك استثناء لذلك، يتمثل في «سيث كلارمان»، ملياردير صندوق تحوط بوسطن، الذي منح 222 ألف دولار إلى 78 ديمقراطياً يتنافسون للحصول على عضوية الكونجرس، منذ عام 2016 وقال كارلمان في حديث لصحيفة «بوسطن جلوب»: «لقد فشل الجمهوريون في الكونجرس في تحميل الرئيس المسؤولية وتخلوا عن معتقداتهم وقيمهم التاريخية». وقال أيضاً: «من أجل مصلحة البلاد، يجب أن يستعيد الديمقراطيون مجلساً واحداً في الكونجرس أو المجلسين معاً». «كلارمان» على حق فيما يقوله، لكن الشيء الذي يدعو للشعور بالعار هو أن عدداً متزايداً من الجمهوريين، لم تعد لديهم الرغبة في تنحية تعصبهم الحزبي جانباً من أجل مصلحة البلاد. ماكس بوت زميل رفيع المستوى في دراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»