من خلال أنشطة وفعاليات متنوعة، أحيت أمس الأربعاء العديد من المؤسسات الدولية الحكومية، والمنظمات الخيرية غير الحكومية، الذكرى السنوية لليوم العالمي للملاريا (World Malaria Day)، والذي يحل كل عام في الخامس والعشرين من شهر أبريل. ويعتبر هذا اليوم واحداً من ضمن ثمانية «أيام صحية»، تحييها سنوياً الجهات والمؤسسات العاملة في مجال الصحة العامة، للتركيز على أهم القضايا والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي على الصعيد الصحي وزيادة الوعي العام بها. ويمكن إدراك أهمية مرض الملاريا من منظور الصحة الدولية، من الإحصائيات والبيانات التي تظهر أن في عام 2016 فقط، لقي 445 ألف شخص حتفهم بسبب الملاريا، في الوقت الذي أصاب فيه المرض حوالي 220 مليون شخص. هذه الأرقام على ضخامتها، تشكل تحسناً ملحوظاً مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سنوات قليلة، فمنذ عام 2010 مثلاً، انخفضت معدلات الإصابة بنسبة 21 في المئة، ومعدلات الوفيات بنسبة 29 في المئة. إلا أن هذا النجاح في خفض معدلات الإصابات والوفيات، ضمن سلسلة من الإنجازات غير مسبوقة على صعيد التحكم في مرض الملاريا ومقاومته، توقفت عجلته مؤخراً، وغاص في وحل ضعف التمويل، ونقص المصادر المالية. فحسب التقرير السنوي عن الوضع العالمي للملاريا عام 2017، ازداد عدد حالات الإصابة بالملاريا عام 2016 بمقدار خمسة ملايين حالة عن عام 2015، وظلت الوفيات تحوم حول نصف المليون وفاة سنوياً. ويرُد الخبراء هذا الارتفاع الواضح في معدلات الإصابة، إلى حقيقة أنه في عام 2016 تم استثمار وإنفاق 2.7 مليار دولار على جهود التحكم في الملاريا، وهو ما يشكل فقط ثلث الـ6.5 مليار دولار التي يُعتقد أنها الحد المثالي من الإنفاق السنوي حتى عام 2020، إذا ما كان للمجتمع الدولي أن يحقق الأهداف الاستراتيجية الرامية لمكافحة وحصار طفيلي الملاريا حول العالم. وينظر إلى طفيلي الملاريا على أنه إحدى القوى الرئيسية التي لعبت دوراً مهماً في تحديد مسار التاريخ البشري في العديد من مراحله، حيث تظهر الدراسات الأثرية، أن طفيلي الملاريا قد ظل يصيب أفراد الجنس البشري على مدار أكثر من 50 ألف عام، وهو ما يعني أن هذا الطفيلي ظل يتغذى فعلياً على دماء البشر منذ اليوم الأول الذي وطئت فيه أقدامهم سطح هذا الكوكب. وحتى يومنا هذا، لا زال طفيلي الملاريا أيضاً من أهم القوى المؤثرة في مقدرات البشر في العديد من مناطق العالم، حيث تصنف الملاريا ضمن أكثر الأمراض المعدية فتكاً بالبشر، خصوصاً بين الأطفال، حيث تشير التقديرات إلى وفاة طفل بالملاريا كل 30 ثانية. ومما يزيد الموقف تعقيداً، ظهور أنواع من الطفيلي مقاومة للأدوية والعقاقير المستخدمة في العلاج، وهو ما أكده تقرير صدر قبل بضعة أعوام عن وحدة أبحاث طب المناطق الاستوائية في تايلاند، والتابعة لجامعة أوكسفورد، حذّر فيه العلماء من الانتشار السريع والملحوظ لأحد أنواع الطفيلي المسبب للمرض، يُعرف بالسوبر ملاريا، بسبب مقاومته لعدد من العقاقير الرئيسية المستخدمة في العلاج. وتُغذي مخاوف الأطباء تلك، القدرةُ الفائقةُ لهذا الطفيلي على مقاومة الأدوية والعقاقير المعروفة بمضادات الملاريا، لدرجة أن نسبة فشل علاج المصابين به وصلت إلى 30 في المئة في فيتنام، و60 في المئة في كمبوديا. وليس من المبالغة في شيء التأكيد على أنه من دون الاستثمار والمشاركة من قبل القطاع الخاص والمنظمات الدولية، لم يكن للمجتمع الدولي أن ينجح في تنفيذ العديد من استراتيجيات مكافحة الملاريا، مثل التوزيع واسع المدى للناموسيات المعالجة بمضادات الحشرات طويلة المفعول، أو تطوير فحوصات تشخيصية دقيقة وسريعة، أو تطوير أساليب علاجية معتمدة على عدد من العقاقير في آن واحد. ومن خلال هذه الإجراءات والتدابير، وتطبيقها وتفعيلها في مناطق العالم التي ترزح تحت العبء الأكبر لطفيلي الملاريا، أمكن إنقاذ حياة مئات الآلاف من الناس، كما أمكن أيضاً تحقيق هذا الخفض خلال السنوات والعقود الماضية في معدلات الإصابة السنوية. وتظل الأبحاث والدراسات الطبية، وما تحققه من اختراقات، مكوناً أساسياً في أي تقدم ونجاح يتحققان على صعيد مكافحة الملاريا، وقضايا الصحة العامة بوجه عام. ففي حالة الملاريا، وبداية من تطوير أدوية وعقاقير جديدة قادرة على مقاومة المرض، وحتى إنشاء وإدارة الأنظمة التي توصل هذه الأدوية والعقاقير إلى المجتمعات المحلية، تشكل الأبحاث حجر الأساس في الجهود الدولية الرامية لمكافحة هذا المرض، وغيره من الأمراض التي تحصد أرواح عشرات ومئات الآلاف سنوياً، وتئن تحت وطأتها العديد من أفقر مجتمعات العالم.