تبدو حركة حقوق الإنسان، مثل العالم الذي تراقبه، في أزمة، فبعد عقود من المكاسب، يبدو أن هناك تراجعاً في كثير من الدول، بينما دأب «فيكتور أوربان» في المجر، و«رودريجو دوتيرتي» في الفلبين، وقادة شعبيون آخرون، على التقليل من شأن حقوق الإنسان والمدافعين عنها. لكن من الواضح أن أكبر منظمات حقوق الإنسان والمراقبين الأمميين، مروراً بحركات حقوق الإنسان وبقية النخب العالمية.. تستنبط دروساً خاطئة من الصعوبات التي تواجهها. وقد راهن المدافعون على استراتيجيات قديمة دون أن يتوقعوا أن محاولاتهم التشهير بمنتهكي حقوق الإنسان لن تفضي إلا إلى إذكاء مزيد من الغضب بدلاً من تغيير سلوكياتهم. وإلى ذلك، تجاهلوا كيفية معالجة مظالم الأغلبيات إذا ما كان هناك انفتاح على معاملة أفضل للأقليات المستضعفة. ومؤخراً، زعم «كينيث روث»، رئيس منظمة «هيومان رايتس ووتش» منذ فترة طويلة، أن «الدرس المستفاد من العام الماضي هو أنه رغم الرياح العاتية، فإن الدفاع القوي عن حقوق الإنسان يمكن أن ينجح»، مضيفاً: «لا يزال من الممكن إقناع كثيرين برفض التضحية بالأقليات المكروهة وجهود القادة الراغبين في تقويض الضوابط والموازين الديمقراطية الأساسية». لكن يبدو ذلك مستبعداً. وبالطبع، يمكن أن تُنبه حركة الدفاع عن حقوق الإنسان الناس بشأن مشكلات تأييد حكومات قمعية. لكن لو أن المحاضرات بشأن الالتزامات الأخلاقية يمكن أن تحدث اختلافاً، لبدا العالم الآن أفضل بالفعل. غير أن أولئك الذين يأبهون لحقوق الإنسان عليهم أن يتعاملوا بجدية مع القوى التي تقود كثيراً من الناس للتصويت لصالح الشعبويين الذين يحظون بأكثرية. والحقيقة أن نمو سياسات حقوق الإنسان الدولية قد صاحب الظواهر الاقتصادية التي أفضت إلى صعود الشعبوية والقومية المتطرفة والقومية حالياً. وباختصار، تصرفت حركة الدفاع عن حقوق الإنسان على مهَل في عالم أصحاب النفوذ الأثرياء. وما كان ينبغي أن يصبح الأمر على هذا النحو، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أُقر في 1948 وسط تضامن الدول الثرية في أوروبا وأميركا الشمالية، والذي شكّل أساساً لأجندة حقوق الإنسان، كان يُفترض أن يُقدّس برامج الحماية الاجتماعية. لكن في سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ النشطاء في الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا في الدفاع عن حقوق ضحايا الأنظمة الوحشية، نسوا المواطنة الاجتماعية. وركزت منظمة «العفو الدولية»، التي كانت تحمل لواء الدفاع عن حقوق الإنسان في حينه، بصورة ضيقة على السجن والتعذيب، وبالمثل رفضت «هيومان رايتس ووتش» الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وقد بدأ ذلك النهج يتغير بعد الحرب الباردة، خصوصاً فيما يتعلق بالمنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان في دول ما بعد الاستعمار، لكن حتى في ذلك الوقت، لم تشدد تلك المنظمات على هدف النزاهة الاقتصادية. ورغم أن كثيراً من النشطاء أدركوا أن الحريات السياسية والمدنية ستترنح في ظل أي نظام اقتصادي غير نزيه، فإن تركيزهم انصب في كثير من الأحيان على البقاء. وفي تسعينيات القرن الماضي، بعد انتهاء الحرب الباردة، بلغت كل من منظمات حقوق الإنسان والسياسات الرأسمالية ذروة هيبتها. ففي أوروبا الشرقية، ركّز نشطاء حقوق الإنسان على إقصاء النخب القديمة وتأييد المبادئ الأساسية لليبرالية، رغم أن الأصول الحكومية كانت تباع إلى أباطرة المال وسط تفش لانعدام المساواة. وفي أميركا اللاتينية، ركزت الحركة على وضع الساسة السابقين خلف القضبان. ويجني العالم الآن ثمار ما غرس في فترة تضخم انعدام المساواة التي بدأت في سبعينيات وطوال تسعينيات القرن الماضي. وكانت هناك بوادر تغيير حديثة، فمؤسسة «فورد» الخيرية، التي قدمت في السبعينيات معظم التمويل اللازم لحركة حقوق الإنسان العالمية، أعلنت في 2015 أنها ستبدأ التركيز على النزاهة الاقتصادية. ولاحظ «جورج سوروس»، الممول السخي لقضايا حقوق الإنسان، أن التركيز على مسألة انعدام المساواة أمر مهم أيضاً. لكن البعض أصرّ على أن الحركة يمكنها أن تواجه تحدي انعدام المساواة الذي تجاهلته لفترة طويلة، دون تغيير في مثلها وأساليبها التقليدية، غير أن ذلك أمر مشكوك في صحته. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»