بين المتصيدين المنكرين للاستنتاجات العلمية زاعمين أن التغير المناخي مجرد خدعة، وأولئك المنجمين المتشائمين الذين يتصورون نهاية العالم، وأن من تبقى من البشر سيفرون إلى المريخ، هناك جبهة أخرى مثيرة للاهتمام. وعلى هذه الجبهة يوجد أشخاص منهمكون في تحقيق تقدم بدلاً من الاسترسال في مباريات الصياح السياسية. ومن المرجح أنه للمرة الأولى في التاريخ، يكسر المجتمع البشري الرابط بين النمو الاقتصادي المستدام واستهلاك مزيد من الطاقة، ومن ثم تم كسر القانون الراسخ: «كلما أحرقنا مزيداً من النفط، حققنا مزيداً من النمو». فالولايات المتحدة، التي لا تزال حتى الآن أكبر مستهلك للطاقة في العالم، واصلت تحقيق نمو اقتصادي شبه قياسي على مدار تسع سنين متوالية، مع الحفاظ على إجمالي معدلات استهلاكها من الطاقة ثابتاً. وبصورة أوضح، في عام 1990، قدّرت وكالة معلومات الطاقة الأميركية أن تحقيق نمو حقيقي بمعدل دولار واحد في الاقتصاد الأميركي يقابله استهلاك ما يعادل أكثر من 9000 وحدة طاقة حرارية. وأما العام الماضي، فقد تم استهلاك أقل من 6000 وحدة طاقة حرارية في مقابل نمو حقيقي بمعدل دولار واحد. وتتوقع الوكالة تراجع استهلاك الطاقة إلى زهاء 3000 وحدة مقابل كل دولار بحلول عام 2050. وتراجعت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، أبرز الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، مقابل كل دولار من النمو منذ عام 2008. ولكن ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن التغيير ليس ممكناً فحسب، وإنما حقيقي. ويؤكد أن الأجهزة واللمبات الموفرة للطاقة واستخدام الألومنيوم في صناعة السيارات ليست مجرد جهود رمزية، وإنما هي جزء من ثورة كفاءة الطاقة في المنزل وفي العمل وعلى الطرقات، التي تتمخض عن نتائج كبيرة من دون تعطيل حياتنا. وكذلك، نرى تحولات كبيرة في مصادر طاقتنا، فقد تراجع استهلاك الفحم تراجعاً شديداً، مع صعود استهلاك الغاز الطبيعي، غير أن حجر الزاوية في النمو هو قطاعات الطاقة المتجددة، على رغم من بدايتها المتواضعة. ومن المتوقع أن تتجاوز الرياح المياه في توليد الكهرباء في غضون العام المقبل. وفي القرن العشرين، أدت طاقة المياه، وهي مصدر 7.5 في المئة من الكهرباء في الولايات المتحدة، إلى تحديث وادي «تينيسي» وحولت الظلام إلى نور في «نورث ويست»، وجعلت صحراء نيفادا بسطوع فيجاس المتوهج. والآن، في غضون جيل واحد، ستتجاوز أعداد طواحين الهواء سدود المياه. وتتجه الطاقة الشمسية أيضاً نحو صعود نشط، مع تحسن جودة الألواح الشمسية، وتراجع أسعارها. وربما توفر الطاقة الشمسية الوقود اللازم لهروب مليار آخر من البشر من براثن الفقر حول العالم صعوداً على السلم الاقتصادي، بدلاً من النفط أو الفحم. وإذا ما استمر إحراز تقدم في تكنولوجيا بطاريات التخزين، كما هو متوقع يقيناً، فإن الطاقة الشمسية ستلعب دوراً أكبر في المنازل والقطاع الصناعي حول العالم، مثلما يحدث الآن بالفعل في الصين التي تقدم دعماً كثيفاً لهذا القطاع. وفي حين توجّه السهام في الاتجاه الصحيح على صعيد استهلاك الطاقة ومزيج الطاقة المستخدم، فلا يزال من الضروري التخلص من مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون في غضون عقود إن لم يكن أجيال. والتحدي الأصعب على الجانب الآخر من المعادلة هو إيجاد سبل لامتصاص الغازات وتخزينها بأمان. وعلى هذا الصعيد أيضاً، توجد أخبار واعدة. وربما أن هناك كثيرين مثلي انشغلوا بسبب حملة الانتخابات الرئاسية العاصفة عن ملاحظة تقدم علمي أُعلن عنه في 2015، وتم الحصول على براءة اختراعه في العام التالي. ففي «معامل سانديا الوطنية» بنيوميكسكو، توصل فريق بقيادة المخترع المميز «جيف برينكر» إلى تكنولوجيا عالية الكفاءة وثابتة ومنخفضة التكلفة لتنظيف ثاني أكسيد الكربون من انبعاثات محطات الطاقة. وهي عبارة عن غشاء، أطلق عليه المخترعون اسم «ميمزيم» نسبة إلى إنزيمات ميكروسكوبية توضع على سطحه، لعزل جزيئات ثاني أكسيد الكربون وامتصاصها بسهولة من الاسطوانة المحيطة. وهذه التكنولوجيا غير السامة، والتي يمكن إعادة استخدامها من شأنها أن تتجاوز بسهولة الأهداف الحكومية لتكنولوجيا تنظيف الكربون، وبتكلفة أقل بكثير من الأجهزة السابقة، حسبما أفاد «برينكر» وزملائه. وربما أن الأفضل من ذلك، هو أن العلماء في النرويج ربما توصلوا إلى طريقة أفضل لتخزين الكربون الممتص. ففي مؤتمر عقد في فيينا الصيف الماضي، أماط فريق من جامعة «بيرجن» اللثام عن تقدم مبشر في استخراج النفط والغاز بالضغط العالي. وبدلاً من «التكسير الهيدرولوكي» للتكوينات الصخرية تحت الأرض لتحرير الوقود المحتجز، ضخ العلماء بنجاح ثاني أكسيد الكربون في عينات جوفية لكي يتدفق مخزون النفط، تاركاً ثاني أكسيد الكربون كامناً في مكانه. وهذه الطريقة الجديدة «تزيد من النفط المستخرج بكميات هائلة مقارنة بالتكسير الهيدرولوكي، وفي الوقت ذاته، تقلل من أثر ثاني أكسيد الكربون من خلال تخزينه»، وفقاً للفريق. ديفيد فون دريهل رئيس تحرير سابق لمجلة «تايم» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»