إعلان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، يوم السبت الماضي، اعتزام بلاده التوقف عن إجراء اختبارات للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، يمثل مؤشراً على أن كيم بات مستعداً لعقد صفقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأنه يدرك كيف يمكن إبرام هذه الصفقة. إنها رقصة معقدة لا شك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعماء الإيرانيين يراقبونها عن كثب. والواقع أن رغبة الولايات المتحدة في الحوار، حتى قبل دخولها في اتفاق مع كوريا الشمالية، تشير إلى تفوق البراغماتية على المبادئ. فالولايات المتحدة ربما تنتصر لبعض القيم، لكن هذه القيم تتراجع إلى مرتبة أدنى أمام مصالحها. فالمصالح في حالة كوريا الشمالية أساسية: إزالة تهديد نووي كوري شمالي بالنسبة للأراضي الأميركية، وتخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، حيث لدى الولايات المتحدة حليف مهم هو كوريا الجنوبية. ورغم أن عائلة كيم قتلت عددا أكبر من الكوريين مقارنة بما قتلته عائلة الأسد من السوريين، ورغم أن الولايات المتحدة ليس لديها حتى علاقات دبلوماسية مع النظام الكوري الشمالي، ورغم أن والد كيم وجدّه أثبتا مراراً وتكراراً أنهما لا يتبعان القواعد الغربية، فإن الولايات المتحدة ما زالت مستعدة للحوار. وعندما يتم وضع الدوافع الأيديولوجية جانباً، تتضح ثلاثة شروط جعلت الحوار بين كيم وترامب ممكناً: رغبة الرئيس الكوري الجوبي «مون جاي إن» في إقامة علاقات أوثق مع الشمال، وقدرة كيم على تأكيد الانتصار، وقدرة ترامب على ادعاء الانتصار أيضاً. بيد أنه من غير الواضح ما إن كانت هذه الشروط كافية أيضاً، فكيم قد يبالغ في تقدير قوة أوراقه عبر مطالبة الولايات المتحدة بإنهاء وجودها العسكري في كوريا الجنوبية، وترامب قد يصر على تجريد كامل لكوريا الشمالية من السلاح النووي بدلاً من تجميد برنامجها النووي تحت إشراف دولي. والنتيجة ستتوقف على استمرار قدرة كلا الطرفين على ادعاء النصر بشكل مقنع. لكن، ماذا لو أن ظروفاً مماثلة وضعت الولايات المتحدة وروسيا على الطريق نحو صفقة تنهي تكراراً للحرب الباردة؟ الواقع أن صفقة من هذا القبيل ستحتاج لمعالجة موضوع أوكرانيا، وتوضيح قواعد الاشتباك السيبراني، وعدم التدخل المتبادل في الانتخابات، وقيود على الدفاعات المضادة للصواريخ. وإذا بدأ ترامب وبوتين حواراً حول كل هذه المواضيع، فإن بوتين سيكون قادراً على التسويق لهذا على أنه انتصار. ومن جانبه، سيكون ترامب قادراً على الترويج لفوز بعد أن فرض على روسيا عقوبات أشد مقارنة بسلفه، ووقف في وجه بوتين بشكل عام. غير أن التوقيت ليس مناسباً، وما ينقص هو «مون جاي إن» أوكراني، شخص مستعد لتطبيق الجزء السياسي من اتفاق مينسك الذي يعاني منذ وقت طويل، والمطالبة باستعادة الأجزاء التي يسيطر عليها وكلاء لروسيا من الأراضي الأوكرانية وفق أخف الشروط. والحال أن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو مقيد في وقت يعمل فيه على تعزيز سلطته، تمهيداً لإعادة انتخابه في 2019. والأوكرانيون لن ينتخبوا أي شخص محسوب على الحمائم بخصوص موضوع روسيا في المستقبل القريب، فنزاع البلدين مازال جديداً نسبياً، خلافاً للحرب الكورية. ومن دون شخص محلي من الحمائم، فإن الولايات المتحدة، أيضاً، ستكون مقيدة باعتبار أنه حتى ترامب نفسه لن يستطيع تحمل تكلفة النظر إليه على أنه ساعد روسيا في تقسيم بلد مجاور لها. ليونيد بيرشديسكي محلل سياسي روسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»