هل هناك فارق بين أن يموت الإنسان برصاصة أو قذيفة أو صاروخ أو باستخدام أسلحة كيميائية ما دامت المحصلة النهائية هي هلاك الإنسان وخراب الإملاك وتدمير البيئة؟ أم أن ما كان يُرتكب بحق الشعب السوري من جرائم من قِبل قوات الأسد وحلفائه طوال السنين الماضية كانت بمثابة قتل رحمة ولم يكن قاسياً بالقدر الكافي الذي يجعل الغرب يتحرك لتأديب الأسد وتحطيم الترسانة الكيميائية والوقوف ضد جرائمه وعدوانه السافر على الشعب الأعزل؟ هي مجرد تساؤلات تدور في ذهن العديد ممن يتابعون عن كثب ما يمر به الشعب السوري من نكسات وخيبات أمل لا ُتحصى، وهم يعلمون أن التوقيت المناسب هو سر أي تحرك عسكري في العالم. فكل يوم تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني، وتتدهور الإمدادات الطبية في غزة، ويُقتل المزيد من الفلسطينيين، وتبنى المستوطنات، ولا يتحرك ضمير العالم، ولا تنفذ العدالة الدولية وتقبل الخسائر، ويغض البصر عن قتل الأبرياء والنهب المنظم والتجويع والتشريد، وهو ما يجري عادة في النزاعات الدائمة وتتحول الجرائم بحق الشعوب إلى أمر اعتيادي، وعليه هل تمت معاقبة نظام بشار الأسد وردعه عن القيام بمجازر جديدة بعد استهداف ثلاث منشآت للأسلحة الكيميائية رئيسية في سوريا، أم أن ما حدث في مدينة دوما سيحدث مجدداً؟ ومن جهتها اتهمت موسكو بريطانيا بالمساعدة في تنظيم الحادثة لإذكاء الهستيريا المعادية لروسيا، مما جعل بوتين يدعو إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، ويندد من منظور روسي بحجم الأضرار الواقعة في العلاقات الدولية. ولا غرابة أن ترحب العقرب التركية بالضربات الجوية التي استهدفت نظام الأسد، وتصفه كرد فعل مناسب رداً على الهجوم الكيميائي الذي خلف عشرات القتلى. وأما المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، فقد استنكر قرار ضرب سوريا، واصفاً رؤساء الدول الثلاث بـ «المجرمين»، بينما رحبت معظم الدول العربية بتلك الضربات، ولم تلتفت الدول المؤيدة في العالم، إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يملكون أي دليل، وعدم انتظار إصدار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تقريرها المستقل عن طبيعة عدوان النظام السوري على السكان في مدينة "دوما" مع تصعيد لحملة إعلامية ودبلوماسية أميركية غربية تتركز على إخفاء وتدمير الأدلة من الجانب السوري والروسي، بينما من الناحية العلمية طبعاً لا يمكن تغيير الهواء في المنطقة، وآثار السلاح الكيميائي ستبقى في الهواء لا محالة! وفي حقيقة الأمر أن مخاطر التورط الروسي عالية جداً حيث إن موسكو دخلت في تحالف مع النظام السوري، فضلاً عن إيران. وفي سياق آخر، فإن روسيا لن تتخلى عن السياسة العسكرية والدبلوماسية البعيدة عن الانتقام، وردود الفعل لتحقيق أهداف قصيرة المدى أو التصعيد لكسب مؤقت، وتعلم أن الضربة لم تغير نتيجة الحرب، ولا بد من المناورة والتدرج بين التصعيد والتهدئة على قرار تصريحات وزير الخارجية الروسي «لافروف» عن نية بلاده تسليم منظومة الدفاع الجوي «إس 300» لنظام بشار الأسد، وفي الوقت نفسه يتحدث عن أن موسكو أبلغت واشنطن بالمناطق التي تمثل «خطوطاً حمراء» لها في سوريا قبل الضربة الثلاثية، مما أربك حسابات الغرب والاحتلال الإسرائيلي الذي بات يخشى على طائراته التي تستبيح سماء سوريا. وهل ستكون الأيام المقبلة شاهداً على نتائج جديدة لضربة حفظ ماء الوجه التي شنتها أميركا وبريطانيا وفرنسا على سوريا كما يعتقد الكثير من المحللين في تلك الدول، وتحول ورقة الضغط الروسي بتزويد النظام السوري في دمشق بمنظومة الصواريخ الدفاعية إلى واقع، وهو ما يقض مضاجع كثيرين، حتى قبل وصولها لقبضة الأسد وانتظار ردة الفعل الإسرائيلية؟ فلطالما تمكنت روسيا والولايات المتحدة من تسوية النزاعات المختلفة بينهما، وتشير "البنتاجون" إلى أن الولايات المتحدة وروسيا تحافظان على خط تصحيحي لضمان عدم وصول القوات الأميركية والروسية إلى صدام مباشر، علماً بأن الصراع الحالي على طريق الغاز والموانئ البحرية والبرية على طول خط الصراع ينافي سياسة خفض الإنفاق الدفاعي في الدولتين والحرب بالوكالة عن طريق ميليشيات مدربة والاكتفاء بالضربات السريعة لأهداف محددة، وما يتبع تلك العمليات من زخم إعلامي يُغيّر مسار وتوجه الضغوط في الداخل والخارج، وتمنح الفرق الرئاسية متسعاً من الوقت لمواجهة معارك الداخل قبل الخارج، ولذلك لن يتفاقم الخلاف بين الطرفين في سوريا وبقاء الصراع السوري يعود بالفوائد الكثيرة على النظامين على الرغم من العداء الظاهر للعيان.