قدمت الإجراءات الأخيرة التي اتخذت في دول مختلفة كرد فعل على تسريب بيانات «فيسبوك»، فرصة طيبة لإلقاء المزيد من الضوء على ما يحدث من تطور في مجال ابتكار تقنيات جديدة لمعالجة وتحليل البيانات. وتقدم لنا التطورات المتلاحقة التي طرأت على أنظمة إدارة المعلومات والتي تعود لعدة مصادر، إمكانية استخدام كمية ضخمة من البيانات للتعرف على المجموعات من الأشخاص التي تتشارك سلوكيات متشابهة. وأصبحت هذه التقنيات تشكل مصادر ثمينة واستراتيجية للمعلومات التي تهم العديد من المؤسسات والمنظمات. وعلينا أن نضيف إليها إمكانية إدماج مصادر المعلومات التي يمكنها أن تساهم في صنع القرارات على المستويات الاقتصادية والتجارية والسياسية. وهذا هو المجال الذي تقدم فيه «البيانات العظمى» big data المصادر التي تزداد أهمية في قطاعات العمل والإدارة العامة. وفي دول كإستونيا مثلاً، تستخدم هذه البيانات لاكتشاف عمليات الاحتيال المرتبطة بالتهرب الضريبي أو غسيل الأموال. وفي إنجلترا، تساعد «البيانات العظمى» على تجسيد الخطط المتعلقة بتطوير قطاع النقل العام في مدينة لندن. ولأسباب واضحة، يتعيّن على الباحثين الذين يستخدمون هذه التقنيات أن يحترموا المعايير الأخلاقية الصارمة لعملهم. وتحتاج هذه المعايير لأن تُنفّذ بحذافيرها من دون انتقاص أي منها، ولكن لا يجوز أن نبدأ هذه المهمة بالتركيز على «شيطنة» هذه التكنولوجيات والتحذير من أخطارها المحتملة في مجال توسيع مجالات الرقابة الاجتماعية. ويمكننا بدلاً من ذلك أن ننتقد تقنيات استغلال «البيانات العظمى» والانتباه إلى التداعيات المحتملة لاستخدامها بطريقة غير مناسبة. وربما نحتاج أيضاً لأن نتذكر الفوائد الكبيرة التي تنطوي عليها وأن نقدّرها حق قدرها. وكما هي الحال في كافة القطاعات الأخرى، لا بد للخبراء المتخصصين من القيام بإجراء استطلاعات الرأي والباحثين في حركيّات الأسواق أن يلتزموا بالمعايير الأخلاقية والطرق السليمة في البحث والاستقصاء. ويتعين عليهم أن يتفحصوا أيضاً نشاطات الكيانات الوطنية والدولية التي تسعى لتحجيم نشاطاتهم وتعطيل الأدوات التقنية التي يستخدمونها. وهذا شيء جيد وضروري. وعمدت وكالات ومؤسسات بحثية، مثل «الرابطة العالمية لبحوث الرأي العام» WAPOR التي افتتحت مكتباً في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيريس أو وكالة «إيزومار» الأوروبية المعنية بالبحوث الأخلاقية لاستخدام البيانات، إلى وضع معايير تتعلق بسرية استخدام المعلومات وعدم تسريب أسماء المشاركين في استطلاعات الرأي أو البحوث العملية. ولقد حرصت تلك المؤسسات على تحديث قوانينها مؤخراً حتى تتماشى مع طبيعة التكنولوجيات والبحوث الحديثة. وبكل تأكيد، يبقى هناك الكثير من العمل والمجهود اللازم لضمان حماية البيانات وتكريس أساليب الحوسبة لدى المنظمات التي تتحكم بهذا الكم الضخم من المعلومات. ويكون من المهم جداً، على سبيل المثال، الالتزام باحترام سرية الهويات الشخصية للأفراد عند معالجة أو تخزين المعلومات الخاصة بهم، ويمكن أن يتم ذلك من خلال عقد اتفاقية ملزمة بين الطرفين. ولكن، لا يجوز أن ننظر إلى مصطلح «البيانات العظمى» وكأنه مرادف لعبارة «الافتقار للشرعية القانونية» لأنه ليس كذلك أبداً. وحتى نتمكن من تغيير هذا التصور، يتعين علينا أن نتوقف عن خوض النقاشات من النوع الذي يعتمد على مبدأ «تكون أو لا تكون» واستبدالها بطرح الأسئلة البناءة مثل: كيف يمكننا تطوير التكنولوجيا حتى تتمكن من مواكبة الطلب على الأدوات المناسبة لمواجهة التحديات الجديدة. سيباستيان هالبرين عالم اجتماع وباحث سياسي واقتصادي إسباني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»