لو أنك أدرجت أسماء «ترامب» و«نيكسون» و«الصين» باللغة الإنجليزية في حقل البحث لموقع «جوجل»، فسوف تعثر على المليارات من رؤوس العناوين التي تقارن بين طريقة تعامل الرئيس السابع والثلاثين للولايات المتحدة (نيكسون) مع الصين، والأسلوب المنتظر أن يتبعه الرئيس دونالد ترامب خلال القمة التي ستجمعه بالرئيس الكوري الشمالي «كيم جونج أون». وتبدو هذه المقارنة مفهومة، ويمكن إسقاطها على الموقف الجديد. فلقد قامت العلاقات الأميركية مع الصين في عهد نيكسون على أساس التزام الولايات المتحدة بمبدأ معاداة الشيوعية. والآن، ربما يؤدي موقف مشابه إلى دفع الرئيس ترامب الذي أطلق على رئيس كوريا الشمالية لقب «الرجل الصاروخي القزم» لإقامة علاقات معه. وفي عام 1972، عندما استقبل الرئيس الصيني ماوتسي تونج الرئيس ريتشارد نيكسون في بكين، كانت الصين تعاني عزلة دولية شديدة التشابه مع العزلة التي تعانيها كوريا الشمالية اليوم. ومثلما كانت عليه حال «ماو»، فلقد تبنّى «كيم» سياسة قاسية للقهر الجماعي دفعت بشعبه إلى الفقر والمجاعة والموت. وتتفق كافة المصادر الخبيرة على أن رغبة ترامب للاجتماع بديكتاتور كوريا الشمالية لا يمكن مقارنتها بالانفتاح على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. فلقد كانت العلاقات الأميركية- الصينية أكثر أهمية من النواحي الاستراتيجية والاقتصادية لكلا البلدين. ويُضاف إلى ذلك أن الظروف الجيوسياسية التي دفعت الصين للتقرّب من نيكسون كانت مختلفة تماماً عن تلك التي تدفع كوريا الشمالية الآن للتقرب من ترامب. ودعنا نبدأ بالصين. ففي عام 1972، كانت تحت زعامة «ماو» تقيم علاقات قوية مع الاتحاد السوفييتي. وكانت الدولتان قد دخلتا قبل ذلك بثلاث سنوات في حرب بسبب الخلاف حول السيادة على جزيرة «تشينباو» ونهر «أوسوري» الذي يجري بموازاة الحدود المشتركة بينهما. وكان «ماو» يعتقد أيضاً بأن التعاون مع الولايات المتحدة في مجالات محددة ضروري لتحقيق حالة من التوازن في علاقة الصين بالاتحاد السوفييتي. ويقدم المحلل السياسي البارز السابق في وزارة الخارجية الأميركية «هلموت سونينفيلت» مثالاً واضحاً عن الفوائد التي حققتها الصين من سياسة التقارب مع واشنطن وحيث سمحت الولايات المتحدة في ذلك الوقت بتصدير تجهيزات تكنولوجية متطورة إلى الصين لمراقبة مدى التزام السوفييت بمعاهدة حظر التجارب النووية. واليوم يواجه «كيم» مشاكل من نوع مختلف تماماً. فهو قبل أي شيء آخر، يتزعّم دولة ضعيفة تعتمد بشكل كامل تقريباً على الصين في مجال الطاقة والتجارة، وهو الدعم الذي مكّن نظامه من البقاء. وكانت العلاقة بين الصين والاتحاد السوفييتي في عهد نيكسون تربط بين قوتين عظميين متنافستين ولم تكن كالعلاقة القائمة الآن بين كوريا الشمالية والصين والتي تشبه العلاقة بين بائع وزبون. وإذا كان «ماو» قد اكتشف قوة الدفع الكامنة بالتعاون مع السوفييت ضد خصم مشترك (الولايات المتحدة) عن طريق تحويل العدو إلى صديق، فإن مثل هذه الفرصة ليست متاحة الآن أمام «كيم». وانطلاقاً من هذه الحقائق المهمة، يكون من الصعب استقراء الأسباب التي دفعت «كيم» إلى عرض تلك الإيماءات المشجعة للخوض في مفاوضات مع الولايات المتحدة. وربما يعود سبب هذا الغموض لكون كوريا الشمالية تفتقر لصحافة حرة ونظام شفاف. ولكن هناك نظريتان لتفسير الأمر. تقضي الأولى بأن «كيم» وقع تحت تأثير دوامة الخوف، وتفترض الثانية أنه فعل ذلك بدافع من ثقته المفرطة بما يفعله. ويقول «مايكل أوسلين» الباحث الزميل في «معهد هوفر لدراسات آسيا»: «تقول إحدى النظريات إن كيم يشعر بخوف شديد بسبب جهله التام بطبائع ترامب الغامضة وبحيث لم يعد يدري إلى أي حد سيذهب في تهديداته». ومما يؤيد هذه النظرية هو أن قرار «كيم» يأتي على خلفية إطلاق الولايات المتحدة حملة من الضغوط القصوى على المخزون المتبقي من العملات الصعبة لدى كوريا الشمالية. وبالرغم من أن مرحلة الخطر الحقيقية لم تظهر مؤشراتها القوية حتى الآن، إلا أن في مقدور«كيم» أن يتنبأ بأنها قادمة عما قريب. ويرى «أوسلين»أيضاً أن كل ما يرتجيه «كيم» من لقاء القمة مع ترامب ربما يكمن في إزالة هذا الضغط. وحول تفسيره للنظرية الثانية، يرى «أوسلين» أن «كيم»، بعد أن أكد للعالم أنه يمتلك بالفعل صواريخ بالستية وأسلحة نووية، أصبح يشعر بأنه قادر على الخوض في المفاوضات من نقطة قوة. ويستنتج «أوسلين» من ذلك أن الأمر قد يتعلق بمرحلة مختلفة وجديدة من الدبلوماسية النووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وفي أعوام عقد التسعينيات، كان البرنامج النووي لكوريا الشمالية في المرحلة النظرية ولم تكن قد أجرت أي تجربة نووية. وفي العقد الأول من القرن الحالي، قام نظام بيونج يانج بتجربة سلاح نووي، ولكنه لم يكن يمتلك قدرة صاروخية تكفي لبلوغ الولايات المتحدة. واليوم، بات يمتلك القدرتين معاً ولم يعد ينقصه إلا النجاح التقني بتصغير الرؤوس النووية إلى الحجم الذي يسمح بتحميلها على الصواريخ. ويقول «أوسلين» أن من المحتمل أن يكون «كيم» قد أقنع نفسه بأن في وسعه أن ينتزع في لقاء القمة المقبل اعترافاً من الولايات المتحدة بأن كوريا الشمالية أصبحت دولة نووية. وكما قال ترامب ذات مرة فإن«كيم» يضعنا في حالة من الحيرة والشك. ويكون من المهم في هذه القمة اغتنام الفرصة لإزالة التهديد الكوري الشمالي بضرب المدن الأميركية بالصواريخ النووية، لأن هذا الهدف مهم جداً. إيلي ليك كاتب أميركي متخصص في القضايا الأمنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»