عندما يتعلق الأمر بالتدخلات العسكرية والأمنية، فإن الأمور تعمل على شكل دورات. فالمجازر التي وقعت في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية عام 1994، لعبت دوراً حاسماً في قرار الولايات المتحدة بالتدخل فى كوسوفو، بعد ذلك التاريخ بخمس سنوات. إن مفاهيم مثل «مسؤولية الحماية»، و«واجب التدخل»، تغذت على الشعور بالذنب، عن المجازر التي وقعت، دون ردود فعل من جانبنا. على النقيض من ذلك، يمكننا القول إن الشعب السوري، يدفع ثمناً مأساوياً منذ سبع سنوات، بسبب التدخل الغربي المشؤوم في العراق عام 2003. فنتيجة لأنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل في العراق، ولأن، النتائج الإنسانية والاستراتيجية للتدخل كانت كارثية، وجد السكان المدنيون في سوريا أنفسهم، يواجهون بمفردهم استخداماً غير متكافئ وغير قانوني للقوة. في سبتمبر 2013، كانت الدولتان اللتان تورطتا منذ عشر سنوات في الحرب في العراق، قد تراجعتا في اللحظة الأخيرة عن التدخل، على الرغم من أن الخط الأحمر، كان قد جرى عبوره تواً في ذلك الوقت، بشكل صارخ. وباراك أوباما،على وجه الخصوص،لم يرغب في ذلك الوقت بالمخاطرة بتوريط أميركا في حرب جديدة، وهو الذي كان قد جرى انتخابه على برنامج قائم على الإصلاحات في الداخل، والحذر والاعتدال في الخارج. وقد جرى فهم نقطة التحول في عام 2013، من قبل خصومنا في سوريا، وكانت النتيجة إنقاذ نظام بشار الأسد، وانتصار الدولتين المؤيدتين له، وهما روسيا وإيران، نتيجة لغياب المنافس. الضربات الأخيرة ضد سوريا، لم تغير هذا الوضع. حيث أثبتت أن التدخل بعد فوات الأوان، لا يمكننا سوى من تحقيق أقل القليل. فاستعادة التابو مجدداً على استخدام الأسلحة الكيميائية في هذه المرحلة من الحرب، كان مخاطرة، لم نكن مستعدين لها. لقد خرج نظام دمشق فائزاً، وهُزم «داعش» في سوريا والعراق، وتمكنت موسكو وطهران من تعزيز نفوذهما. أما دولة إسرائيل فليس هناك سوى فكرة واحدة مسيطرة عليها، هم منع تنامي النفوذ الإيراني. ولم يعد مهماً، في سياق ذلك كله، أن الشعب السوري يشعر بالتهميش فيما يتعلق بتحديد مصيره، ويتعرض للخداع من قبل المجتمع الدولي. والقيام بهذا القدر الضئيل من رد الفعل، بعد الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيميائية، من قبل نظام قاس وعديم الرحمة، هو أمر لا يدعونا للفخر. فتكلفة التقاعس واللامبالاة - التي تختفي وراء الحسابات السياسية الصغيرة، أو الرؤى الاستراتيجية الخطيرة والزائفة، لم تعد مقبولة، بأي حال من الأحوال. بعد الغارات الجوية التي لن يتذكرها التاريخ، نحتاج إلى تعلم العديد من الدروس: الدرس الأول، هو أن عملية صنع القرار الأميركي أصبحت تدعو للفزع. فخلال أقل من أسبوع، مر رئيس أكبر قوة عسكرية في العالم بكافة ظلال الارتباك، وهو ما يتبين بوضوح من تصريحاته المتضاربة حول سوريا. الدرس الثاني، هو أنه، في مواجهة الوضع السوري، وكما كان الحال قبل سنوات قليلة، أثناء الأزمة الليبية، كانت أوروبا، وتحديداً «الثنائي الفرنسي- الألماني» هي أكبر الغائبين. في عام 2018، يمكن القول إنه فيما يتعلق بالأمن والدفاع، مازال كل شيء يحدث في أوروبا كما لو أن «بريكست» ليس على وشك الحدوث؛ وأن العلاقة الثنائية بين باريس ولندن، لاتزال أكثر متانة من العلاقة بين باريس وبرلين؛ وأن ألمانيا يمكنها أن تدعم- بالأقوال فقط- أعمال التحالف الغربي، لكنها لن تفكر في الانضمام إليها؛ وأنه لا يزال هناك بلدان فقط في أوروبا يعتبران نفسيهما «قوى» بالمعنى التقليدي: فرنسا وبريطانيا العظمى، أحدهما في الاتحاد الأوروبي، والآخر على وشك مغادرته. الدرس الثالث والأخير، أنه ليس منطقياً أن نقوم، ببساطة، باستنكار التزام فرنسا الأعمى بالموقف الأميركي. ففي عام 2018، من الجلي تماماً أن باريس هي التي باتت تحدد إيقاع التصميم، ودرجة التماسك، ومدى العقلانية. تماما مثلما كانت الحالة في 2013، بعد أن عبر نظام دمشق الخط الأحمر، في ذلك الوقت،للمرة الأولى. لقد تدخلت فرنسا -على نحو متواضع- في سوريا، ليس استرضاءً لأميركا، وإنما لوضع قيود على حركة النظام وحلفائه. وقد فعلت فرنسا ذلك، وهي على دراية كاملة بالفجوة التي قد توجد بين الأهداف التي يجري السعي إليها، والوسائل المستخدمة، من أجل ذلك. لا ينبغي لنا أن نفخر بما قمنا به، لكن كان لدينا سبب يجعلنا نخجل من سلبيتنا، لو كنا اخترنا التقاعس. دومينيك مويزي أستاذ علوم سياسية فرنسي، كبير مستشاري«المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية»-باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»