قبل سبعين عاماً، تغير العالم حول عائلتي. فقد كان تأسيس دولة إسرائيل يمثل تقرير المصير بالنسبة لليهود، لكنه كان يمثل «نكبة» بالنسبة للفلسطينيين. في المنطقة المحيطة بمدينة حيفا التي تقع على البحر المتوسط، حيث عاشت عائلتي لستة أجيال، لم يتبق سوى 2000 فلسطيني، من أصل 70 ألف نسمة، من بينهم أجدادي «عبد الحي» و «عدلا». أما جيرانهم فقد طُردوا وجُردوا من ممتلكاتهم، ولم يُسمح لهم بالعودة. وتم تدمير أكثر من 400 مجتمع فلسطيني بالكامل. أما أجدادي وكل العرب الفلسطينيين الذين بقوا وأصبحوا «مواطنين» في إسرائيل فقد ظلوا تحت الحكم العسكري حتى عام 1966. هذا جزء محزن ومهم من قصة عائلتي، ومن التاريخ الفلسطيني. هذا التاريخ يجب تذكره والأسف عليه. ولكن في عام 2011، أصدرت إسرائيل قانونا يعلن أن أي مؤسسة تتلقى أموالاً عامة من الممكن أن تتعرض لعقوبات مالية إذا أعلنت الحداد بمناسبة النكبة في نفس عيد الاستقلال، الذي تحتفل به إسرائيل في التاسع عشر من أبريل. ويهدف هذا القانون إلى محو الحقيقة المؤلمة للنكبة، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من قصة تأسيس إسرائيل. وتثبت هذه النقطة أيضاً أن النكبة – محو الفلسطينيين، جنبا إلى جنب مع تاريخنا ولغتنا وقصصنا – ليست حدثاً تاريخياً مفرداً، إنها ظاهرة مستمرة. ومن ناحية أخرى، فإن نظام التعليم الإسرائيلي يخلد «النكبة» من خلال رفضه تدريس كل ما يتعلق بالمجتمع الفلسطيني قبل عام 1948. والأطفال في المدارس العامة في جميع أنحاء البلاد، سواء من العرب أو اليهود، يدرسون تاريخ الصهاينة الأوروبيين، أمثال تيودور هرتزل، الذي توفى قبل وقت طويل من قيام دولة إسرائيل، لكنهم لا يدرسون أي شيء عن الفلسطينيين ما قبل 1948. وقد يعتقد المرء أنه لم يكن هناك شاعر أو فنان أو كاتب فلسطيني قبل تأسيس إسرائيل. وقد ذاق سكان قرية «أم الحيران» الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها ألف مواطن فلسطيني في إسرائيل، مرارة النكبة طوال الأسبوع الماضي. فقد ناضلوا مع الحكومة الإسرائيلية لسنوات من أجل الحصول على اعتراف بقريتهم، ما سيسمح لهم أخيراً بربط القرية بشبكات المياه والكهرباء، والاستفادة من البنية التحتية العامة مثل الطرق الممهدة. بيد أن الدولة أصرت على الرفض، وقامت بتجريف القرية مرارا وتكرارا. ويشعر الفلسطينيون الذين يعيشون في الأراضي المحتلة باستمرار «النكبة»، في كل نقطة تفتيش تجعل السفر لا يطاق، وفي كل جنازة لمتظاهر غير مسلح قتل على يد القناصة الإسرائيليين وفي كل مرة يتم فيها بناء مستوطنة على قطعة أرض تم الاستيلاء عليها بمباركة الحكومة الإسرائيلية. وإذا استمرت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على هذا المنوال فيما يتعلق برغبتها في ضم الضفة الغربية بدون توفير حقوق متساوية لسكانها الفلسطينيين، فإن هذه لن تكون «نكبة» جديدة، بل ستكون استمرارا للنكبة التي لم تنته أبداً. يتعين على الإسرائيليين أن يفعلوا أكثر من مجرد الاعتراف بالنكبة، كما أن إنهاء النكبة يعني القبول بشكل كامل بإنسانيتنا كفلسطينيين والاعتراف بأن المستقبل الوحيد للإسرائيليين والفلسطينيين هو مستقبل مشترك. ولإنهاء النكبة، يجب علينا إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. ولإنهاء النكبة، علينا إيجاد حل عادل للاجئين الفلسطينيين. إن النكبة ستنتهي عندما تعترف إسرائيل بجرائم النكبة وتعمل على تصحيح هذه الأخطاء. وستنتهي النكبة عندما يدرس أطفال المدارس اليهودية ثقافة العرب الفلسطينيين، تماماً كما يتعلم الأطفال العرب التاريخ والثقافة اليهودية، عندما يدرسون تاريخ الشعوب الأصلية في الأرض، عندما ينشأ الأطفال الفلسطينيون وهم يتمتعون بحرية التنقل والعيش وتقرير مصائرهم. ويمكننا أن نبدأ بإحياء ذكرى النكبة كشيء من الماضي، وإعلان الحداد بهذه المناسبة. أيمن عودة: رئيس «القائمة المشتركة» ثالث أكبر كتلة في «الكنيست» وزعيم حزب «حداش» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»