بكل إيجابية اختتمت القمة العربية أعمالها للدورة 29، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أثناء مشاركته في القمة «نتفاءل باللقاءات على أرض المملكة، ونتمنى أن تكون القمة علامة فارقة في ظروف استثنائية». يؤسفنا كعرب ما تمر به أمتنا خلال هذه الحقبة لكن الأسف ليس علامة إحباط، بل هو نتاج واقع نتلمس الخروج منه في أسرع وقت ممكن، كي نتمكن من تحقيق أحلام العرب، أليس من الغريب أن تنعقد القمة في الظهران وفي الجوار دولة أبت قيادتها إلا أن تبحر بعيداً عن اللحمة العربية، أليس من العجيب أن يجتمع العرب وسوريا العربية تتلاعب بأراضيها قوى إقليمية، وتتصارع الدول العظمى على مستقبل هذا القُطر، وليس للعرب حول ولا قوة. لا يستطيع العربي قبول مبدأ أن الجارة إيران باتت عدواً يهدد وحدة الأرض العربية عبر تدخلها المباشر في شؤون العراق، واحتلال مليشياتها للأراضي اليمنية والسورية واللبنانية، ولن يقبل العرب أن تكون إيران سيف الإرهاب مطية للخراب. قوة العرب في وحدتهم وتلاحمهم، وهذا لن يحدث إلا إذا أقر قادة بعض الدول العربية مبدأ تقديم المصالح الكبرى لشعوبهم على مطامعهم الشخصية وأحلامهم الذاتية، إن لم يحصل ذلك، فإن بعض الدول العربية مرشحة كي تكون كبش الفداء القادم قرباناً لتحقيق أحلام دول الاستعمار بثوبه الجديد. البيت العربي غير المتوحد هدف سهل المنال من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين، وعندها سنجد شجباً متكرراً لخسارة جديدة تمنى بها الدول العربية قبل القمة القادمة. أبدأ من آخر توصية لقمة القدس: «تكليف الأمانة العامة للجامعة العربية بمتابعة تنفيذ مخرجات القمة». اعتقد أن علاج بعض الخلل يتلخص في إصلاح الأمانة العامة، فلا نريد منها بياناً دورياً تنتفض بعده كي تلخص لنا أن مقررات القمة السابقة لم يتحقق منها شيء، ويعاد إدراجها على جدول أعمال القمة الـ 30، فهذا مؤشر فشل وخلل في تحقيق أول ما ورد في البيان الختامي لقمة القدس، وهو «تأكيد أهمية تعزيز العمل العربي المشترك لمواجهة الأخطار التي تواجه الدول العربية، وتهدد أمنها واستقرارها»، وهذا لن يتحقق إلا بتطوير الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ودعمها بما يجعلها جهاز تنفيذ للتوصيات على غرار المفوضية الأوروبية. بالرغم من شمولية البيان الختامي لكل القضايا التي تهم العرب، إلا أن فلسطين كان لها النصيب الأكبر من هذه التوصيات، وهذا مؤشر خير، فالأزمات العربية المتتالية محورها القدس المحتلة، وكل خطوة تقودنا لعودة الأقصى تقربنا في نفس الوقت من علاج الخلل، فمنذ أن قرر خادم الحرمين حفظه الله ورعاه أن القمة 29 هي "قمة القدس"، تفاءل العرب خيراً، فهو "زعيم الحزم" كما نعرفه، وأفعاله تسبق أقواله، فقد تبرع ب 150 مليون دولار للأوقاف الإسلامية في القدس، وجاء في البيان الختامي للقمة «التعهد بالعمل اللازم لدعم القضية الفلسطينية» وَمِمَّا تضمنه «إعلان الظهران»، التأكيد مجدداً على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة. وما تضمنه البيان الختامي جاء لتخرس بعده ألسن اعتادت التشكيك في النوايا العربية المخلصة، تلك القنوات ما انفكت تشيع بين الفترة والأخرى أخباراً انهزامية تدندن على استسلام العرب لمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، جاءت هذه القمة لوضع النقاط على الحروف فيما يرتبط بالقضايا المصيرية، وكلنا أمل أن تكون القمة القادمة محطة خير، كيف لا ، وهي ستعقد في بقعة شهدت بداية الهاوية لمنزلق ما عرف إعلامياً بـ«الربيع العربي»، فهل تكون من تونس الخضراء قمة عربية تقودنا للقمة.