لا يزال مفهوم الدولة الفاشلة ينطبق على الصومال من كافة الجوانب والمؤشرات، ابتداءً بضعف السلطة المركزية وانتشار العنف والحوادث الإرهابية، وعدم المقدرة على ضبط الأوضاع الأمنية، إلى آخر سلسلة معايير فشل الدولة. وحتى بعد أن تغير الاصطلاح من الدولة الفاشلة إلى الدولة الهشة، ظلت الصومال محافظة على تواجدها في هذه الخانة الحرجة، ولم يحدث سوى تطور هامشي وحيد، هو انتقالها من المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الدول الفاشلة إلى المرتبة الثانية، بعد أن أخذت مكانها دولة جنوب السودان عام 2014. لكن يبدو أن السلطة الصومالية لا تعي خطورة هذا التصنيف الذي يلتصق بها منذ سنوات، ومع ذلك تتصرف بأسلوب يعزز استدامة مستنقع الفشل والتخبط ونقض الاتفاقيات، لصالح التقارب مع قوى داعمة للإرهاب، من مصلحتها أن تظل الصومال دولة فاشلة لكي يسهل التحكم بها وتحويلها إلى بيئة مطيعة. ولا أحد يفكر بهذه النزعة الانتهازية سوى قطر، التي يهمها كثيراً ألا يتم انتشال الصومال من مستنقع الدول الفاشلة. بل إن الدوحة عملت في السر والعلن خلال الفترة الماضية على عرقلة جهود الإمارات التنموية في الصومال، وسعت عبر دفع الأموال وتكوين حلفاء متعصبين أيديولوجياً إلى عرقلة مساهمات الإمارات في إخراج الدولة الصومالية من عنق الزجاجة ومن وضع الدولة الهشة. ومما يحسب للدور الإماراتي في الصومال أنه انطلق منذ وقت مبكر، رغم الظروف الصومالية المحلية السائدة، التي لم تكن تشجع على قيام أي مستوى من التنسيق والتعاون، وبخاصة أن البيئة المستهدفة بالتطوير والتحديث وإعادة البناء والإعمار، تقع في بلد يتلمس طريقه لمغادرة أجواء الحرب، بعد سنوات من غياب الدولة ومؤسساتها التي يفترض أن تكون طرفاً في أي خطط ومشروعات مشتركة. كما أن المبادرة الإماراتية تجاه الصومال جاءت في الوقت الذي تهربت فيه كافة دول العالم وانسحبت من العمل في البيئة الصومالية آنذاك، بينما بذلت الإمارات بشكل مكثف منذ عام 2014 جهوداً استثنائية لتطبيع الأوضاع وانتشال المجتمع الصومالي من القطيعة الدولية والإهمال، نتيجة لاستفحال أعمال القرصنة التي كانت تنطلق من السواحل الصومالية وتسببت في إزعاج المجتمع الدولي. وللأسف كلما ظهرت بوادر تحول إيجابية في المشهد الصومالي وتزحزح ترتيبه نحو درجة أفضل ضمن لائحة الدول الهشة والفاشلة، تحدث بعد ذلك انتكاسات في مؤشرات أخرى، بعضها بفعل أداء الحكومة الصومالية الخالي من التفكير الاستراتيجي، إلى جانب تأثير مشبوه يتم تسليطه بحقد من قبل قطر التي تبحث بجنون عن بؤر خارجية تقبل تطفلها، بهدف تنفيس الاحتقان القطري على المستوى الداخلي وفي المحيط الخليجي. الإشكالية الأخطر التي تواجه الصومال وتحرمه من احتمالات إيجاد بديل للدور الإماراتي السخي، هي العمليات الإرهابية المستمرة في مقديشو، والتي تتسبب عملياً في تراجع الدول والمنظمات العالمية عن التفكير في القيام بجهود لمساعدة الشعب الصومالي على الانتقال إلى مرحلة أفضل. وبدلا من أن تحافظ الصومال على العلاقة الثنائية الممتازة مع الإمارات، التي لم تمنعها المخاطر الأمنية في البيئة الصومالية من مد يد العون وتدشين برامج مساعدات متنوعة، ذهبت مقديشو إلى الاستسلام لمغريات قطرية وهمية، بينما نعلم جميعاً أن الدور القطري يتوجه دائماً نحو تسمين فصائل الإرهاب ودعمها وإمدادها بالوقود اللازم لتخريب المجتمعات. والصومال الذي لم يتخلص حتى الآن من «حركة الشباب» المتهمة بارتكاب عشرات العمليات التفخيخية هناك، ذهب ليتحالف هذه المرة مع الجانب الخطأ، لأن قطر لن تقدم للصومال سوى المزيد من العناصر الجهادية، في إطار خطة قطرية تقوم على نشر وتوطين تنظيم «داعش» في أفريقيا، لتخفيف الضغوط التي يتعرض لها التنظيم في مناطق أخرى. تركت مقديشو اليد التي امتدت إليها لنشر الخير وبسط الأمن والاستقرار، وقررت أن تتعاون مع طرف لم يدخل الصومال في دائرة اهتمامه إلا من باب المكايدة وزراعة الفتنة وتنفيذ أجندة العراب التركي، الذي يستغل حقد حكام الدوحة وفشلهم في نبذ الإرهاب والتصالح مع مستقبل أمن الخليج الجماعي.