قبل أربع سنوات فقط، كنت من أكثر المشجعين لثورة التكنولوجيا. وكان من المفترض أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي هي الأمل الكبير للديمقراطية. وأنا أعرف ذلك لأنني أخبرت العالم عنه، فقد قلت في عام 2014 أن لا أحد يمكنه التنبؤ إلى أين ستأخذنا هذه الثورة. وكنت أشعر بالتفاؤل بأن الاتصال سيساعد الجنس البشري على إيجاد وسيلة لتحسين نفسه، لكني لم أكن محقاً تماماً: فلم يستطع أحد أن يتنبأ بما وصل إليه حالنا. لذلك فإن توقعي المتفائل كان مضللاً تماماً. لقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تقليل التفاعل الإنساني وليس إلى زيادته. لقد قمع التنمية البشرية، بدلاً من أن يحفزها. وبينما كانت شركات التكنولوجيا تحرز تقدماً، كنا نحن نتراجع. وإليكم الدليل. تظهر الأبحاث أن وسائل التواصل الاجتماعي ربما تجعل الكثيرين منا غير سعداء، ويشعرون بالغيرة –وعلى النقيض من ذلك –غير اجتماعيين. وقد أدركت شركة فيسبوك ذلك، حيث أظهرت دراسة أكاديمية نقلتها الشركة، أنه حتى عندما يمضي الناس الكثير من الوقت في استهلاك المعلومات بشكل سلبي، فإنه ينتهي بهم الحال وهم يشعرون بأنهم أسوأ. وقضاء عشر دقائق فقط على تطبيق الفيسبوك يكفي لأن يشعر المرء بالاكتئاب، فالتصفح وتسجيل الإعجاب بعدد كبير من المشاركات والروابط يبدو أنه ذو تأثير سلبي على الصحة العقلية. وفي الوقت نفسه، يزدهر الوحش ذو العيون الخضراء على الشبكة الاجتماعية: حيث أن قراءة القصص الوردية ومشاهدة الصور التي تصور الحياة الاجتماعية وقصص الحب التي يعيشها الآخرون، تجعل المتصفح يعقد مقارنات ضعيفة مع نفسه. والخروج من العالم الحقيقي بكل تفاصيله، حتى السيئ منها، والانخراط في مناقشات من شأنه أن يوفر ترياقاً قوياً. فالبشر مقتنعون بأن «المواكبة» على الإنترنت هي البديل العملي للتواصل الاجتماعي الشخصي. وماذا عن اختيار المستهلك؟ أشار المفكر التصميمي السابق بشركة جوجل «تريستان هاريس»، في مقال عن الكيفية التي تخطف بها التكنولوجيا عقول البشر، إلى أنها مصممة بالفعل لإعطائنا خيارات قليلة، ليس أكثر. فعندما تقوم مثلا بالبحث عن أحد المطاعم على جوجل، فإنك تجد مجموعة محدودة من الخيارات مع ظهور عدد من شركات الإعلانات في أعلى القائمة. ونادراً ما نتصفح الصفحة الثانية من نتائج البحث. وشبّه «هاريس» ذلك بما يفعله السحرة: «إعطاء الناس وهم الاختيار الحر، وفي أثناء ذلك تصميم القائمة بحيث يفوزوا، بغض النظر عما تختار». لقد أصبحنا معتمدين بشكل لا يمكن تصوره –أو مدمنين– على سهولة الاستخدام على حساب الجودة. إننا نسير في حاوية من نفايات محتوى الإنترنت الذي لا نحتاج إليه، وهذا ما قد يدمر أدمغتنا بشكل خطير للغاية. وكذلك تستخدم صناعة التكنولوجيا تقنية أخرى لإبقائنا على هذه الحالة من الإدمان: تغذيتنا بهوة لا نهاية لها من المعلومات. هذه الظاهرة هي تأثير شركة «نتفليكس» (شركة ترفيهية أميركية) عند التشغيل التلقائي للحلقة القادمة من عرض ما بعد نهاية مشوقة ثم تواصل المشاهدة، وتفكر: «يمكنني النوم في عطلة نهاية الأسبوع». والنهاية المشوقة، بالطبع، دائماً ما يتم استبدالها بنهاية مشوقة أخرى. ثم يعقب الموسم المكون من 13 جزءاً موسم آخر، ومن بعده موسم آخر. لقد أمضينا مزيداً من الوقت أمام التلفزيون، ورغم ذلك لا نزال نشعر بحاجتنا للمزيد. وعندما تقوم تطبيقات فيسبوك وانستجرام وتويتر بتحديث صفحات الأخبار، ما يجعل كل مقال يقود إلى مقال آخر، فإن هذا التأثير يظهر مرة أخرى. وربما يتعين علينا العودة إلى هواتفنا الذكية، وبدلاً من تشغيل «نتفليكس» أو إرسال الرسائل النصية على تطبيق «واتساب»، فإننا نستخدم وظائفهم الأساسية. الاتصال بأصدقائنا وأفراد أسرنا وتبادل أطراف الحديث أو -الأفضل – الترتيب لمقابلتهم. وفي الوقت نفسه، يمكن للتكنولوجيا أن تصنع فرصة من أزمة. ماذا عن تقديم اشتراك على الفيسبوك الخالي من الإعلانات؟ وفي مقابل رسوم شهرية، ستستند عمليات البحث على جودة المحتوى بدلاً من توظيف المنتج. من الممكن أن أدفع مقابل هذا. وقد كانت شركة «آبل» رائدة في استخدام وظيفة «عدم الإزعاج» التي منعت الرسائل والمكالمات من إزعاجنا أثناء النوم، ما لم يلب المتصل بعض معايير الطوارئ. وهناك أيضاً وضع «التركيز» (أو البؤرة) الذي يطفئ جميع الإخطارات ويخفي التطبيقات من على الشاشة الرئيسة، لتخفيف الإغراء باللعب بهواتفنا في الوقت الذي ينبغي فيه التركيز على عملنا، أو التحدث مع أزواجنا وأصدقائنا وزملائنا. وفي ثمانينيات القرن الماضي، قامت شبكة «بي بي سي» في لندن بتشغيل سلسلة ناجحة للأطفال بعنوان «لماذا لا تفعل؟»، والتي ناشدت المشاهدين من أجل «إيقاف أجهزة التلفزيون والخروج والقيام بعمل آخر أقل إثارة للملل». فيفيك وادوا أستاذ في كلية الهندسة بجامعة كارنيجي ميلون في وادي السيليكون