في مسرحية «هامليت»، إحدى روائع وليم شيكسبير، يسدي الأديب العالمي على لسان شخصية «بولونيوس» نصيحته الشهيرة: «لا تكن مقترضاً ولا قارضاً». وفي الحقيقة أحاول أن ألتزم في حياتي بهذا القول المأثور، رغم أنني أعلم علم اليقين أنها مقولة خاطئة تماماً. ويقدم «بولونيوس» قاعدة مجردة لقضية شديدة التعقيد. فالديون، التي أهلكت الملايين وتسبب تعاسة كبيرة، هي أيضاً محرك النمو والازدهار والتقدم. فما كانت أميركا ستصبح وطناً لأصحاب المنازل لولا قروض الرهن العقاري، وما كانت ستصبح أرض الطرق السريعة والمطارات لولا السندات الحكومية، وما كانت ستصبح محركاً لإبداع الشركات الصغيرة من دون الاحتياطيات البنكية، كما أن كلياتنا وجامعاتنا التي يحسدنا عليها العالم لم تكن لتصبح على ما هي عليه الآن بلا قروض تعليمية للطلاب. لكن أعطوا كل ذي حق حقه، فأميركا لا تحتاج إلى أي تشجيع على الاقتراض، فقد أصبحنا في حالة انسجام تام مع الديون، ولنأخذ على سبيل المثال بعض البيانات. فقد حدّث مكتب الموازنة في الكونجرس توقعاته لسنوات عشر قادمة خلال الأسبوع الماضي. وعلى رغم من توقعاته المشرقة بشأن النمو الاقتصادي، تكهّن المحللون غير الحزبيين بعودة سريعة إلى حالات عجز الموازنة بما يتجاوز تريليون دولار. وتلك الموجات التي لا تهدأ من العجز ستدفع إجمالي الديون الفيدرالية إلى زهاء 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2028، وهو أعلى مستوى منذ الحرب العالمية الثانية. لكن على أي حال، ترسم توقعات مكتب الموازنة صورة وردية في ظل غياب حتى مجرد التصريحات الداعية إلى الانضباط المالي، في أنحاء الطيف السياسي. ومع وجود من يصف نفسه بـ«ملك الديون» في البيت الأبيض، وسيطرة «ليبرالية حرية الإنفاق» في حزب المعارضة، فإن واشنطن تُبعثر الأموال مثل «بحار مخمور»، وإن كان في ذلك إجحاف بالمخمورين أو البحارة! فبعد استنكار حزمة الإنفاق التحفيزي في ظل أعماق التراجع المالي الذي شارف على الكساد، ضخّ «الجمهوريون» تريليونات من حزم التحفيز الجديدة عندما كان التوظيف في أوجّه، ثم حوّلوا الإصلاح الضريبي المطلوب إلى إمعان في فجوة الموازنة. غير أن الديون الفيدرالية مجرد بداية. فديون المستهلكين، من بطاقات ائتمانية وقروض سيارات أو قروض طلابية، عند أعلى مستوياتها في التاريخ؛ إذ تناهز 3.9 تريليون دولار. وديون الأسر، إضافة إلى الرهون العقارية، قياسية أيضاً: ليصل الإجمالي إلى أكثر من 13 تريليون دولار. ديفيد فان درهل: كاتب أميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»