القادم إلينا، سواء بقصد الاستثمار، أو السياحة، أو العمل، أو العلاج، أو الدراسة، هو في حاجة إلينا، ونحن في حاجة إليه، العلاقة تكاملية، والمصلحة تبادلية، وليس كما يتصوّر بعضهم، أن القادم إلينا في حاجة إلينا ونحن في غنى عنه. القادم للاستثمار، سيجد بيئة متكاملة، فهناك بنية استثمار قوية، تشريعية وإدارية ومالية وتقنية وفنية ولوجستية.. ونحن في المقابل نستفيد منه في زيادة وتيرة التنمية، وتطوير الصناعات، وزيادة الصادرات، وخلق فرص العمل، وغيرها من فوائد تساهم جميعاً في الازدهار الاقتصادي. والقادم للسياحة، سيحظى بمناخ سياحي قلّ نظيره، من حيث رحلات الطيران من مختلف الوجهات، وفي أكثر الأوقات، وضمن مختلف الأسعار، وكثرة الفنادق والمنتجعات، والتنوّع في وسائل الترفيه، وتوفر الأمان، والخدمة المتميزة.. ونحن في المقابل نستفيد منه في خلق فرص العمل، وجلب المزيد من الاستثمارات، وتحسين البنية التحتية. والقادم للعمل، يلقى بيئة عمل مناسبة، وإقامة مريحة وهادئة، ومستوى معيشة مرتفعاً، وقوانين تحفظ له حقوقه.. ونحن في المقابل نحصل على الكوادر البشرية المؤهلة، والخبرات في مختلف المجالات، كما أن الأيدي العاملة في المهن البسيطة تقوم بالأعمال الضرورية كافة في إنشاء المرافق وخدمتها. لكن، هل التصوّر الذهني له مظاهر خارجية؟ بمعنى أنني لو كنت أنظر للقادم إليّ كفرصة تنموية، أو كنت أنظر إليه كزحمة إضافية، فهل سيتبع اختلاف التصوّر اختلافًا في طريقة التعاطي معه؟ في الحقيقة نعم، التصوّر يبدأ في الذهن ويخرج إلى أرض الواقع، فـ«الحكم على شيء فرع عن تصوّره». تأثير تصوّري للأمر يظهر عليّ كمواطن عادي يأخذ ويعطي مع الآخرين في التعاملات اليومية، وكموظف لدى جهة تنظم عمل قطاع أو نشاط، وكمسؤول يصدر القرارات، وكنائب في المجلس التشريعي يناقش الأوضاع ويقترح القوانين. حين أنظر إلى القادم كفرصة تنموية، فإنني سأكون أكثر تقبّلاً وبشكل تلقائي لعاداته ما دامت لا تضر بغيره، وأكثر حرصاً على إنجاز خدمة أو معاملة تخصّه، وأكثر مراعاة عند إصدار قرار يتعلق به، وأبعد نظراً عند مناقشة أمر أو طرح قانون يمسّه. وكل هذا ينعكس إيجابياً عليه. والعكس صحيح، حين أتخيّله زحمة إضافية، فإنه سيصعب عليّ، وبشكل تلقائي، فعل كل ما كنت سأفعله لو كنت أراه عاملاً من عوامل التنمية. ولم تكن صدور الإماراتيين ضيقة بالقادمين إليهم في يوم من الأيام، وإحصاءات الزائرين، وتعداد غير المواطنين، وتنوّع الجنسيات، وأعداد الشركات، تغني عن أي قول أو شرح، وفي اعتقادي أن هذا الانفتاح على الجميع من أهم أسباب نجاح التجربة الإماراتية. ومع هذا، لا يخلو الجو من أصوات لا تدري ما تقول، تنظر إلى النجاح الإماراتي كأنه شيء وُجد هكذا، وتعتقد أن الانفتاح، والتقبّل، والمراعاة، والأريحية، أمور عاطفية لا تسند أعمدة النجاح، ولا تؤثر في استمرار تدفق عوائده. إذا كان الانفتاح على الآخرين خياراً في الماضي، فهو اليوم ضرورة لا بديل عنها، وأسباب ذلك كثيرة، والانفتاح أو الانغلاق، يبدآن بالتصوّر الذهني للأمور والأشخاص.