تكتسب الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد للقاهرة، والتي التقى خلالها بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أهمية كبيرة على الصعيد السياسي وعلى صعيد التنسيق الأمني الاستراتيجي الأكثر إلحاحاً بالنسبة لدول التحالف العربي في وقتنا الحالي. والدول العربية الداعمة لهذا التحالف، والدول الصديقة التي تؤيد موقف دول التحالف، كلها معنية بالجهود المكرسة من أجل التصدي للأطماع الإيرانية في المنطقة. فالوضع في اليمن وحوض البحر الأحمر، بما فيه مضيق باب المندب، وكذلك سلامة الملاحة البحرية في قناة السويس وحمايتها من الأخطار الأمنية، كل ذلك أصبح شأناً استراتيجياً وهماً دولياً مشتركاً للكثير من دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي واليابان. وحين يلتقي القائدان في مثل هذا التوقيت، فلا بد أن تسترجع الأذهان ما شهدته الساحة في الآونة الأخيرة من تطورات غيّرت المشهد، إن على المستوى الإقليمي وفي إطار التنسيق بين دول التحالف، أو فيما يخص الدول الأعضاء كلاً على حدة. فمصر- على سبيل المثال - مرت مؤخراً بتجربة انتخابية تمت على إثرها إعادة انتخاب السيسي لفترة رئاسية ثانية، وقد نجح الشعب والدولة معاً في مصر في مواجهة التحدي الكبير الذي حاولت بعض جبهات التطرّف الإسلامي، وفِي مقدمتها عصابة «الإخوان المسلمين»، بدعم من بعض الدول المتحالفة معها، خلقه عبر التشكيك في قدرة السيسي على الفوز مجدداً بدعم الأغلبية كما فعل في انتخابات الرئاسة الأولى.. فإذا بالشعب المصري يرد بنسبة مشاركة أعلى وبإعداد من الأصوات فاقت مثيلاتها في الانتخابات الرئاسية قبل أربع سنوات من الآن. ولا بد أن ذلك المتغير كان أحد البنود الرئيسية في أجندة المحادثات بين القائدين، وكذلك بلورة مرتكزات السياسة العربية في المرحلة الحالية، والرؤى الجديدة إن على مستوى التنسيق والتحالف بين الرباعية الخليجية المصرية، وإن على مستوى المقاربة المصرية فيما يتعلق بحماية البحر الأحمر والدول المطلة عليه. وفي قلب الاهتمام العربي، هناك اليمن الذي يواجه عدواناً إيرانياً سافراً لم تجد الدول الخليجية بداً من مقاومته، ومن التدخل لدعم الشرعية التي انقلبت عليها المليشيات الحوثية الإيرانية. ومصر أيضاً معنية بالرد على هذا العدوان، لوعيها بمقدار الضرر الذي يشكله على حركة التجارة الدولية عبر البحر الأحمر، ومن ثم سلامة الملاحة في قناة السويس وحركة النقل بين الشرق والغرب. ومصر بما تملكه من إمكانيات عسكرية، مسؤولة عن تأمين استخدام الممرين الاستراتيجيين العربيين على الدوام. وقد شهدت الحرب الدائرة الآن في اليمن تصعيداً إيرانياً كبيراً لا ينبغي السكوت عليه عربياً. فاستخدام الصواريخ البالستية الإيرانية من قبل حركة عنصرية لاهوتية شديدة التخلف وعديمة الحيلة، تجمع في صفوفها مقاتلين مرتزقة وأطفالاً يتم تجنيدهم بالقوة ويُزَج بهم عنوة في جبهات القتال.. هو تصعيد في غاية الخطورة. إن هذه الطغمة المتخلفة لا يمكن لأحد أن يصدِّق بأن أفراد طواقمها من اليمنيين. والمؤكد أن من يديرون منصات الإطلاق هم الإيرانيون. إن التدخل الإيراني السافر أصبح حقيقة مؤكدة، وإن مصر، الحليف العربي الأقوى، معنية بما يجري من عدوان إيراني سافر على حوض البحر الأحمر، ومن ثم فلا بد أن تضطلع بدور يتسق مع حجم المصالح المصرية المنوطة بأمن البحر الأحمر، فضلاً عن أمن الأشقاء في التحالف الرباعي، حيث إن أمن مصر والسعودية والإمارات والبحرين كلٌ لا يتجزأ، وإن التصدي للعدوان الإيراني لا بد أن يرتقي إلى مستوى استخدام القدرات المتاحة وأن ينتقل من دائرة السرية إلى المواقف العلنية. ولا بد أن يفهم الجميع بأن التحالف لم يكن فقط لحصار النظام القطري، بل إن إيران هي المعنية الأولى، نظراً لما تبيته من عدوان على الأمن القومي العربي. فالخطر الإيراني لم يعد يقتصر على دولة واحدة، بل تتمثل خطورته في كونه يتنقل بهدوء من دولة إلى أخرى، إذ بدأ أولاً بلبنان ثم العراق، وبعده سوريا، ثم اليمن فالسودان. ولا يعلم إلا الله إلى أين يقود التحالف بين المال القطري والعسكرية الإيرانية، وما هي محطته القادمة، وما هي الدولة المرشحة للعدوان الإيراني في المرحلة المقبلة؟ كلنا نعلم أن الشيخ محمد بن زايد أحد صناع السياسة الخليجية والعربية والدولية المتميزين باقتدار، وفِي ضوء زيارته للقاهرة وحواره مع السيسي، يمكن قراءة الكثير من الرسائل. والعلاقة الخاصة بين مصر والإمارات تشي بأن ثمة جهوداً جديدةً لدعم التحالف الرباعي على سلم الأولويات، وبأن قرارات تاريخية سوف ترى النور قريباً. والمؤكد أنها ستغير مجرى الأحداث وستقلب الطاولة على رؤوس من يبيتون النية ويحيكون المؤامرات لإنزال الأذى بشعوبنا والنيل من استقرارنا ومن جهودنا للنهوض ببلداننا. إن الغيرة تأكل قلوبهم وهم يرون النهضة الحضارية التي تزين الخليج، مما أفقدهم صوابهم وأعمى أبصارهم، قاتلهم الله أني يؤفكون. ومرة أخرى نكرر أن العد التنازلي لقطع يد إيران في المنطقة يقترب، وأن نهاية النفوذ الإيراني، ليس في اليمن فقط، بل في كل الدول العربية الأخرى، تقترب أكثر من أي وقت مضى، وأن حيوية الدور المصري عامل حاسم في الاقتراب بسرعة من تركيع الطموح الإيراني وإنهاء ظاهرة التطرّف الذي تقوده طهران.