في أعقاب ما يشتبه في أنه أحدث هجوم كيماوي في سوريا، استعارت الحكومة الروسية تكتيكاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فأولاً، أنكرت الأدلة: «هناك معلومات مغلوطة يتم الترويج لها بشأن الاستخدام المزعوم للكلورين ومواد أخرى سامة من قبل القوات الحكومية السورية». ثم أعطت الادعاءات اسماً مألوفاً: «أخبار زائفة». وبعد ذلك حمّلت مسؤولية الهجوم لمنظمة «الخوذات البيضاء» الإنسانية في سوريا، وهي منظمة تضم متطوعين يقومون بانتشال الضحايا من تحت الأنقاض بعد القصف الجوي للأحياء والمدن. وتُعتبر «الخوذات البيضاء» هدفاً لحملة تشهير مكثفة بدأت منذ سنوات، تشمل مئات المقالات والفيديوهات المزيفة. وقد استخدم القائمون على هذا الجهد خواريزميات وسائل التواصل الاجتماعي بدهاء لنشر الاتهامات. الحملة تندرج ضمن هجوم أكبر على منظمات موثوقة وترويج أوسع للشكوك في الحوار الدولي. ولا غرو في ذلك، فـ«الخوذات البيضاء» لا تقدّم المساعدة الإنسانية فحسب، ولكنها تقوم أيضاً بتوثيق جرائم الحرب السورية والروسية. وعلى غرار هجمات ترامب على «وسائل الإعلام الرئيسة»، فإن الحملة الروسية ضد «الخوذات البيضاء» تمثل محاولة لإضعاف منظمة تسعى لقول الحقيقة. على أن هذه ليست النسخة الروسية الوحيدة للأحداث. فعلى غرار ما حدث في الماضي، بعد أن أسقط صاروخٌ طائرةَ ركاب ماليزية في شرق أوكرانيا، وبعد أن تعرض جاسوس سابق للتسميم في بريطانيا.. فإن الجانب الروسي يهاجم الحقيقة عبر تقديم عدة قصص متضاربة. وعلى سبيل المثال، فإن السفارة الروسية في واشنطن تحمّل مسؤولية ما يشتبه في أنه هجوم كيماوي لـ«الإرهابيين»، بينما تقول سفارة روسية أخرى إنه لم يحدث البتة. والآن، يقول وزير الخارجية الروسي سيري لافروف، إن الهجوم «دبِّر» من قبل حكومة «مناوئة لروسيا». هذا فيما ذهبت وزارة الدفاع الروسية أبعد من ذلك، محمّلة المسؤولية لبريطانيا. والواقع أنه مع الرئيس ترامب ربما كان من الممكن التغلب على هذا السيل من القصص المتضاربة. وقريباً من المتوقع أن تُصدر مؤسسات دولية محايدة، مثل «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية»، روايتها حول ما حدث، وكذلك ستفعل وسائل الإعلام التي تتمتع بسمعة حسنة، غير أن ترامب لم يظهِر أي دعم للمؤسسات الدولية المحايدة، ومارس ضغوطاً لإضعاف الثقة في المنظمات الإعلامية المتمتعة بسمعة جيدة. وبدلا من تقديم تأويل واضح للأحداث، يزيد من التشويش والارتباك. فخلال الأسابيع القليلة الماضية، قال في أوقات مختلفة إنه يريد الانسحاب من سوريا، وإنه يريد إرسال صواريخ إلى سوريا («جميلة وجديدة وذكية»)، وأنه ربما لن يقصف سوريا في الواقع («يمكن أن تحدث قريبا جداً وقد لا تحدث أبداً»). وفي هذا السياق، تصبح الكثير من الحجج العادية المؤيدة لاستخدام أميركي للقوة أو المعارضة له غير منطقية. فالكثيرون حاججوا من قبل بأن على واشنطن أن تعارض استخدام الأسلحة الكيماوية من الناحية المبدئية. ومثلما قال وزير الدفاع جيمس ماتيس قبل بضعة أيام، فإن «بعض الأشياء لا تغتفر، وتُعتبر خارج حدود السلوك المقبول، وليست ضد مصلحة الاتفاق حول الأسلحة الكيماوية فحسب، وإنما ضد الحضارة نفسها». ويرى آخرون أن الولايات المتحدة، وبعد أن أبدت معارضتها لاستخدام الأسلحة الكيماوية، ينبغي عليها القيام بشيء للحفاظ على مصداقيتها. غير أنه في السياق الحالي، لا أحد يصدّق بأن لدى البيت الأبيض استراتيجية طويلة المدى في سوريا، أو أي سياسة حقيقية تجاه الأسلحة الكيماوية. ولا أحد يصدّق بأن هجوماً على منشأة سورية للأسلحة الكيماوية، أو مطار سينهي استخدام هذه الأسلحة. وبينما تسعى روسيا لإضعاف أي تقييم لما يحدث على الأرض، يُضعف ترامب سلطة الولايات المتحدة للقيام بأي شيء حيال ذلك. آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»