«المهمة أنجزت»، هكذا غرد الرئيس دونالد ترامب على حسابه في «تويتر» صباح السبت 14 أبريل 2018. كانت الضربة مشتركة، أميركية فرنسية بريطانية، وعلى ما يبدو فقد استهدفت مواقع للأسلحة الكيماوية للنظام السوري، رداً على ضرب نظام بشار الأسد مدينة «دوما» بالأسلحة الكيماوية. ومن الناحية التكتيكية، فإن هذه الضربة بدت ناجحة، بغض النظر عن تأثيرها العسكري على الأرض، بينما أثرها السياسي قد يبرز لاحقاً. إن الهدف من الضربة ليس تغيير المعادلات القائمة، بل البرهنة على أن التدخل العسكري الغربي في سوريا قد يأتي لخدمة استراتيجية سياسية، وأنه لا يمكن ترك مصير سوريا بيد الروس والإيرانيين. ومن جهة أخرى يرى وزير الخارجية الفرنسي لدوريان، أنه ينبغي لروسيا أن تضغط على حليفها الرئيس الأسد، من أجل إيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية. ترامب وجه تحذيراً إلى إيران وروسيا على خلفية صلاتهما بالنظام السوري، داعياً موسكو إلى الكف عن «السير في طريق مظلم»، وقال إن روسيا أخلّت بوعودها فيما يتعلق بأسلحة سوريا الكيماوية. وعلى ما يبدو فإن الضربة الثلاثية لم تكن مصادفة، وهي تتقاطع مع معطيات الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان لبريطانيا وأميركا وفرنسا، ثم ختمها بإسبانيا، كما جاءت متزامنة مع انعقاد قمة الدول العربية في الظهران، والتي أيدت في أغلبيتها تلك الضربة. بعد ساعات من الضربة الجوية تقدمت الدول الثلاث، فرنسا وأميركا وبريطانيا، إلى شركائها في مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يتضمن إنشاء آلية تحقيق جديدة حول استخدام الأسلحة الكيماوية. كما قدّمت فرنسا مشروع قرار شامل يدعو إلى بداية جديدة لحل الِنزاع في سوريا عبر الوسائل الدبلوماسية، فيما أعلنت روسيا أنها ستدرس مشروع القرار الثلاثي. إذا كانت مواقف الدول تدور حول حرب «الخطوط الحمر» أمام استخدام الكيماوي، فهل يفهم الأسد مرة أخرى أنه حر في قتل شعبه بوسائل أخرى، من براميل متفجرة وصواريخ وقنابل عنقودية وفسفورية وغيرها..؟ إن عدد مَن قُتِلوا بالكيماوي لا يقارن بمن قتلوا بالقصف الجوي والبراميل المتفجرة. الضربة لها مسوّغاتها الإنسانية، لفرض احترام المعايير والقوانين الدولية بخصوص حظر استخدام الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد. أما المندوب الروسي في الأمم المتحدة، والذي تأسف على ما وصفه بتجاوز واشنطن وحلفاؤها للقانون الدولي، فقد تناسى استخدامه حق الفيتو في تعطيل عدة قرارات تدين فظائع نظام الأسد. وهناك سؤال مثار الآن: هل الضربة خدمت بوتين وتريزا ماي بشأن الأزمة الناشئة عن تسميم الجاسوس الروسي «سيركيبال»؟ مهما يكن فإن الضربة الثلاثية ذات أهداف سياسية، ولَم تكن لتقلب موازين القوى داخل سوريا. الغرب عموماً لا يرغب في إضعاف بوتين في الساحة الروسية، لخطورة روسيا بما تملكه من أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية، وهذا أمر يستدعي وجود رئيس قوي مثل بوتين. يبدو أن هناك «تخادماً سياسياً» بين ترامب وبوتين، وإن بدا الأمر بهذا العنف الموجه ضد نظام الأسد. ويمكن التلميح في هذا السياق إلى أن موسكو تفهم من رسالة ترامب أنها تريد فك ارتباطها بطهران، توطئة لإيجاد تفاهم ثنائي، أو حتى ثلاثي بوجود تركيا، لذا قد تكون أجواء ما بعد الضربة معينة لبوتين في إقناع الأسد وطهران بحل سياسي ما. وضمن هذا السياق، يخاطب نتنياهو الرئيس بوتين بقوله: عاملوا الأسد كما تريدون، لكننا لا نريد بقاء إيران في سوريا. ويمكن التأكيد هنا على أن حلف أميركا ودول مجلس التعاون الخليجي سوف يتقوى بحل الأزمة الحالية، وبعدها قد يتقارب الخصوم عندما تتغير المعادلة.