عقب تغريدته يوم الحادي عشر من أبريل بأن «الصواريخ قادمة» إلى سوريا، أعلن الرئيس دونالد ترامب في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي تنفيذ ضربات جوية أميركية في عدد من المواقع السورية، ومن بينها دمشق. والمواقع المستهدفة هي تلك التي يُعتقد أنه يُمكن أن تخزن فيها أسلحة كيميائية أو مواد تستخدم في تصنيعها. وتم تنفيذ الهجمات رداً على هجوم بأسلحة كيميائية نفذه نظام بشار الأسد قبل أسبوع. وبالطبع، ليست هذه هي المرة الأولى التي يأمر ترامب فيها بتنفيذ ضربات جوية ضد سوريا، ففي أبريل الماضي، أمر ترامب بشنّ ضربات جوية استهدفت مطار الشُعيرات عقب هجوم آخر بأسلحة كيميائية نفذه نظام الأسد. ورغم أن الضربة الأخيرة كانت أكبر بكثير من ضربة العام الماضي، فإنها ظلت أيضاً عملية عسكرية اقتصرت على ضربات جوية فقط. ويبقى السؤال لماذا اختار ترامب ضربات جوية مرة أخرى لينتقم من النظام السوري؟ في بحث حديث منشور في دورية «الدراسات الأمنية العالمية»، نسلط الضوء على أسباب لجوء الدول للقوة الجوية. والضربات الجوية هي واحدة من وسائل كثيرة تستخدمها الدول لتحصل على ما تريد، ونظراً لأنه ليست جميع الوسائل السياسية ملائمة للأزمات كافة، فإن بحثنا يُفتّش عن الظروف التي تختار فيها الدول استخدام الضربات الجوية على الخيارات الأخرى، مثل العقوبات الاقتصادية أو العمليات العسكرية البرية، كوسيلة جبرية. وقد زاد الاعتماد على سلاح الجو زيادة كبيرة خلال العقود الأخيرة، مع تحسن التكنولوجيا والتوجيه، واستناداً إلى بحثنا السابق، نأخذ بعين الاعتبار القوة الجوية التي يتم استخدامها في الحرب المعاصرة. ومن المهم، أن ثمة اختلافات رئيسة بين اختيار استخدام الضربات الجوية وحدها، مثلما حدث في حرب الناتو في كوسوفو عام 1999، واستخدام القوة الجوية والقوات البرية، على غرار ما حدث في حرب الخليج عام 1991. وفي بحثنا، ننظر إلى الأزمات الدولية التي وقعت بين عامي 1908 و2006، استناداً إلى «مشروع سلوك الأزمة». واستخدمنا سلسلة عريضة من المصادر الأساسية والثانوية لجمع المعلومات الجديدة بشأن ما إذا كان سلاح الجو قد استخدم أم لا في كل أزمة، وكيفية استخدامه. وبحثنا في الأهداف السياسية في الأزمات لمعرفة كيفية اختيار كل دولة لأدوات سياساتها الخارجية ذات الصلة بمخاطر الأزمة. وتقليدياً، ثمة مفهوم سائد بأن الدول الديمقراطية تميل إلى استخدام الضربات الجوية، وحدها، لأن رؤساء هذه الدول يخشون نشر قوات برية، والتعرّض لوقوع خسائر في الأرواح. ويتقاسم ذلك المفهوم صناع سياسات وحتى دول مستهدفة محتملة، لا سيما أنه منذ انسحاب القوات الأميركية من فيتنام، راهن عدد من الدول الضعيفة عسكرياً على قدرتها في الصمود أكثر من قبول الشعب الأميركي لخسائر الأرواح. لكن على النقيض من المفاهيم الشائعة بشأن حساسية الدول الديمقراطية تجاه التكلفة، وجدنا أن الديمقراطيات ليست من المرجح أن تستخدم العمليات العسكرية باستخدام ضربات جوية فقط أكثر من غيرها من الدول الأخرى. غير أننا استنتجنا أن الدول الثرية، وخصوصاً القوية عسكرياً، هي التي من المرجح أن تستخدم الضربات الجوية. وقد وجدنا أيضاً تأييداً لفكرة أن قلة المخاطر تجعل استراتيجية الضربات الجوية فقط أكثر ترجيحاً، ففي الصراعات شديدة المخاطر، من المحتمل أكثر بكثير أن تقرن بين الضربات الجوية والقوات البرية. لكن مع الضربات الجوية وحدها، ربما تستشف الأهداف على نحو صحيح أن الأزمة ليست في مقدمة أولويات السياسة الخارجية للدولة المهاجمة. وبالطبع، ربما يشير القادة الذين يأمرون بضربات جوية إلى أن هذه الضربات رسالة مكلفة لاستخدام القوة في المستقبل. وفي حين أن الضربات الجوية قد تستخدم في الحقيقة كوسيلة للتصعيد، فإن الدول تدرك أنها تنطوي على إشارة محدودة، وأن أبرز الأزمات لا يمكن حلها بمثل هذه الضربات وحدها، بل إن الضربات الجوية وحدها كردّ على الأزمة قد تفضي إلى استنتاج مفاده أن المهاجم متردد، وربما يفضي ذلك إلى تشبث الدولة التي تتعرض للهجوم، ويثنيها عن تقديم تنازلات. وفي بحث سابق، وجدنا أن استراتيجيات القوة الجوية التي تجمع بين جهود منع القدرات العسكرية للأهداف وكذلك معاقبة أنظمتها تحقق نجاحاً كبيراً. والضربات الجوية في أبريل 2017 التي استهدفت مطار الشُعيرات تضمنت بالكاد جهوداً لتدمير هدف عسكري، ومن ثم ليس من المفاجئ أنه على رغم من التفوق الأميركي عسكرياً ومالياً، فإن ضرباتها لم تحقق تأثيراً طويل الأمد. وقرار ترامب باستخدام الضربات الجوية ليس مفاجئاً، فناهيك عن آرائه الشخصية، فهو رئيس لدولة غنية لديها قليل من الخيارات العسكرية الجيدة في سوريا. لذا أمر للمرة الثانية في رئاسته بتوجيه الضربات الجوية، وربما لن تكون الأخيرة. كارلا مارتينز ماكين أستاذ مساعد في جامعة «ميسيسبي» وتركز أبحاثها على القوة الجبرية في النظام الدولي سوزان حنا ألين أستاذ مساعد في جامعة كانساس وباحثة في مجال الفاعلية العسكرية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»