ماذا ينقصنا لكي نطور مواردنا البشرية على غرار الجانب السنغافوري، وهم لا يملكون حتى الماء، ويستوردونه من الدول المجاورة، ناهيك عن موارد معدومة في الأساس، والمورد الرئيس والثروة الأهم لديهم، والتي جعلت العالم أجمع يحترمهم هو عقل الإنسان وحقول الفكر وتشجيع الإبداع ودعم المبدعين والتخطيط المنهجي، ونظام لا يسمح لشخص أن يصعد على حساب الآخر الأكثر كفاءة منه، ويتميز في حل المشكلات، وإيجاد الحلول الناجعة! ناهيك عن السيرة الهلالية في الموارد البشرية، وقتل الطموح الوظيفي بسبب عدم وجود شاغر أو الأقدمية، أو أن يربط مصيره الوظيفي برأي شخصي لموظفين يتبعون مسؤولاً مهماً، أو ذلك المسؤول أعطاهم الثقة العمياء، ونظام عقيم غير مجد في اتخاذ القرار، بناءً على عرض تقديمي باهر وحسب، وكأن استمرار تلك الأساليب المتخلفة لا تضر بالوطن والمواطن. وفي الكثير من الأحيان تُتخذ القرارات بعد أن تُصاغ حسب الرغبة والطلب والكل يعلم بحجم الظلم الوظيفي الواقع على نسبة كبيرة من الموظفين في مختلف القطاعات، وتلك منظومة وللأسف فيها أعلى الهرم الوظيفي يرفع التوصيات وفق معايير لا تناسب التميز والتفرد في الأداء في العصر الحديث، حيث تربط مصائر البشر باللجان الرئيسة والفرعية، والتي يكون بين أغلب أفرادها مصالح مشتركة، ويحدد وجودهم في تلك اللجان درجتهم الوظيفية، وليس إمكانياتهم الفردية في فن اتخاذ القرار ورؤية الأمور بطرق خلاقة وغير تقليدية مع بعد نظر لا يملكه نظراؤهم في المؤسسة، ونوعية المعرفة والمعلومة المتوافرة لديهم. ففي عالمنا العربي مجرد أن يُرقّى شخصٌ للوظيفة الأعلى، فإنه يقوم بتغيير النظام القائم، ويجعل أمر صعود الموظفين الذين يلونه للدرجة التي يشغلها مربوطاً بفترة زمنية، تمدد لسنوات طويلة في المنصب الواحد، ويبقي الموظف حبيس نفس المسمى الوظيفي لسنوات طويلة، في عقم قل ما نشاهد نظيره في العالم. وتسمع عباراتٍ رنانة، كالمصلحة الوظيفية، ومصلحة البلد، والأفضل للوظيفة حسب رأي لجان الترقيات، والتي هي في الأساس ممارسة عفا عليها الزمن، ولا يجوز أن تحدد مصير إنسان وفق وجهة نظر شخصية والرغبة في عدم معرفة أو وجود شخص داخل دائرة المشاريع والقرارات التي بها ما يمكن تسميته بـ«هوامير» المؤسسة. ولماذا تحارب الكفاءات الوطنية إذا كانت ترفض التطبيع مع الممارسات التي لا تعود بالنفع على المصلحة العامة، وهي تجاوز صريح لمفهوم التنمية الشاملة، وضبط جودة المشاريع والمهام الإجراءات التي تمس السكان بصورة مباشرة ويومية، وكيف يُعاد ترميم تلك المشاريع عشرات المرات في سنوات قليلة؟ فلا يعيب أي شخص أن يكون طموحاً، وأن ينافس بشرف على أعلى المناصب، ويسعى لتميز المهني، ولكن ليس على حساب التميز الجماعي وفرق العمل والأهداف والغايات العليا للمؤسسة والدولة على وجه العموم، وفي غياب مبدأ تكافؤ الفرص عملياً، وتعطل ساعة الانضباط الأخلاقي الداخلية للكثير من القيادات التنفيذية، فأين تتجه البوصلة التنموية للأجيال القادمة؟ وأجلاً أو عاجلاً لا بد أن يطفح الكيل بالطفيليات المنتفعة، والتي يرتبط إنتاجها بالتعاقد مع شركة استشارية تقوم بكل مشاريعها من الألف للياء، ثم نجدها في منصات التتويج والتميز، ناهيك عن شعارات، مثل «المستقبل للشباب»، وهم وحدهم «القادرين على الإبداع والابتكار»، فالتركيز يجب أن يكون على النوعية وليس العمر، وهذه الشعارات أكثر ما نسمعها في الدول العربية، وضمن حملات مرشحي الانتخابات في دول العالم الثالث، فالمناصب يتم شغلها على أساس المقدرات والإمكانيات المتوافرة للشخص، وليس شهادة ميلاد وما تحتويه من بيانات. ومن المفارقات العجيبة أن هناك أشخاصاً يتمتعون بالاعتراف الدولي في بعض المجالات، ويُطلبون بالاسم لتقديم ورشة أو المشاركة في فريق عمل على مستوى المؤسسات الدولية والأممية وتفريعاتها المختلفة، وفي المقابل هم في بلدانهم مجرد موظفين عاديين من آلاف الموظفين. ولماذا تربط بعض الوظائف القيادية بالشهادة العلمية، وإجادة اللغة الإنجليزية واسم الدولة التي تخرّج منها الموظف عند التقييم للمناصب العليا، وتُهمل إنجازات الشخص الجماعية قبل الفردية ومبادئه المهنية؟ ولماذا يتم إهمال الخبرة ذات العلاقة المباشرة بالوظيفة، والتي يصاحبها التميز والمقدرة على الإبداع والابتكار وحل المشكلات والتواصل الفعال والتوازن النفسي، والقدرة على تحريك الآخرين بإيجابية نحو الهدف المنشود، واكتشاف وتمكين وتفجير الطاقات الكامنة داخل المواهب المحبطة في المؤسسة؟ فمتى نفهم أن الشهادة العلمية أو عدد سنوات العمل ليس بالضرورة تساوي كفاءة أكبر أو قيادة استثنائية؟!