هل كان انهيار الصحافة المحلية سبباً في مجيء دونالد ترامب؟ هذه هي الفرضية المثيرة للاهتمام، التي انطوى عليها بحث جديد نشرته صحيفة «بوليتكو» قارن فيه الصحفيان «شاون ماسجريف»، و«ماثيو نسباوم» نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مع الاتجاهات العامة المتعلقة بأعداد الناس المشتركين في جريدة في منطقة معينة، وكتبا عن ذلك قائلين: «تُظهر النتائج علاقة متبادلة واضحة بين معدلات الاشتراك، ونجاح ترامب في انتخابات 2016، سواء بالمقارنة مع هيلاري كلينتون، أو حتى بميت رومني عام 2012». تقول «بوليتيكو» إن ترامب، وبشكل عام، تفوق في الأداء على ميت رومني في المناطق التي كانت نسبة الاشتراك في الصحف فيها منخفضة، في حين تفوق عليه هيلاري كلينتون، وميت رومني في المناطق التي ظل فيها معدل الاشتراك مرتفعاً. واعتمدت «بوليتكيو» في تقديراتها هذه على إحصائيات ما يعرف بـ«ائتلاف المراجعة الإعلامية» الذي يدقق أرقام التوزيع للصحف. علاوة على ذلك، عندما قارنت «بوليتيكو» المناطق الريفية ذات الاقتصادات الضعيفة، التي بقيت فيها معدلات الاشتراك في الصحف كبيرة، مع المناطق مشابهة التي انخفضت فيها هذه المعدلات، اكتشفوا أن ترامب كان أداؤه أقل من رومني في العديد من المقاطعات التي ظل توزيع الصحف فيها قوياً نسبياً، لكنه تفوق عليه حيث انخفضت هذه المعدلات. وإذا أخذنا جميعاً الحقائق الواردة في التقرير المذكور بعين الاعتبار، فإننا سندرك أهمية الدور الحيوي الذي لا يحظى بالتقدير الكافي، الذي تلعبه الصحف المحلية في النظام الإعلامي، كما سيتضح لنا بجلاء أننا نسمح لتلك الصحف بالتلاشي، مع ما يشكله ذلك علينا من ضرر. في غضون ذلك، يواصل دونالد ترامب إصدار كافة أنواع التصريحات المفتقرة لدرجة الصدقية الكافية. وكما تلاحظ «بوليتيكو»، فإن تغريدات موقع ترامب على «تويتر»، تتمتع بعدد من المتابعين يفوق العدد الإجمالي للمشتركين في كافة الصحف الأميركية. ولكن أفول مصادر الأخبار المحلية يخلق مشكلة من نوع آخر. فهو يساعد على التفكير في الإعلام المحلي على أنه ليس سوى فرع لوسائل الإعلام القومية الكبرى. فالناس في المدن الصغيرة يعرفون صحفييهم المحليين جيداً، مما يجعل من الصعب على أي أحد أن يصف هؤلاء الصحفيين أو الصحفيات، الذين يرونهم بشكل منتظم وهم يغطون اجتماعات مجالس المدارس كل شهر بأنهم مروجون لأخبار مختلقة. كنت في الماضي، واحدة من هذه النوعية من الصحفيين والصحفيات. فقد اعتدت قضاء أمسيات في قاعة بلدية المدينة الصغيرة التي كنت أعيش فيها، وحضور جلسات مجالس المدارس، وفي بعض الأيام كنت أقابل النشطاء المحليين، وأكشف النقاب عن الأخطاء، ناهيك عن التردد على المتاجر والمكتبات. وقد عرفني الناس جيداً في تلك المدينة، وكانوا يثقون بي، يبحثون عني بشكل منتظم، ليقدموا لي المعلومات والأخبار، أو ببساطة يخبرونني عن آرائهم في الأحداث اليومية التي يمرون بها. قد يبدو أن الزمن الحالي هو أفضل زمن مرت به الصحافة؛ حيث نقرأ كل يوم تقريباً قطعة من الصحافة الاستقصائية، في جريدة تحمل اسماً كبيراً سواء كانت عن فورة التحرش الجنسي، أو آخر ممارسات ترامب في القيام بتصرفات يتناقض فيها الواجب مع المصلحة الوطنية. ولكن المظاهر خادعة، فإذا استثنينا الصحف ذات الأسماء الكبيرة، فسوف نجد أن صناعة الصحافة بشكل عام باتت تشكو من العلل. فنسبة التوظيف في الصحف، انخفضت بنسبة خمسين في المئة عما كانت عليه في مطلع الألفية. وهو ما ترتب عليه أفول التغطية المحلية، وقاد بدوره إلى اشتباك أقل بالشأن السياسي مقارنة بما كان عليه الأمر في الماضي. وإذا كان الصحفيون المحليون، قد عملوا طويلاً كموثقين لصحة الأخبار القادمة من المدن الكبرى مثل واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس، فإن هؤلاء الصحفيين لن يستطيعوا الاستمرار في ممارسة هذا الدور، عندما تغيب الأخبار المحلية. وإذا لم يكن الناخبون يعرفون أي صحفيين، فسيكون من الميسور في هذه الحالة، أن يقوم أي ديماجوجي محتمل، بإخبار الناس بما يريدون أن يسمعوه. هيلين أولين: كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»