ارتكبت الحكومة الصومالية خطأً فادحاً بخيانتها للاتفاقات المبرمة مع دولة الإمارات، وقامت بتمثيل مسرحية مدفوعة الأجر من قبل طرف إقليمي حاقد. ولم تدرك أنها وضعت نفسها في موقف حرج لا يصدر عن دولة بقدر ما يتشبه بسلوك الجماعات البدائية، لأن الدول لا تنقض الاتفاقيات ولا ترتجل الإجراءات وفقاً للحالة المزاجية أو وفقاً لرغبة أطراف أخرى. يدرك الصوماليون العقلاء من النخبة أن مصلحة بلدهم على المدى البعيد تتطلب الاحتفاظ بعلاقات ودية مع الإمارات، ومع كل الدول المهتمة بدعم الاستقرار في الصومال وبإنعاش اقتصاده، وبخاصة أننا نتحدث عن بلد ضئيل الموارد طحنته الحروب طوال العقود الماضية، ويتلمس الطريق ببطء لبسط الأمن وإخماد بقية جيوب التطرف الكامنة له بالمرصاد، وذات الحاضنة الاجتماعية المتعصبة قبائلياً ودينياً. لكن النزق وغياب الحكمة وسوء النوايا والرغبة في المتاجرة بالموقف الرسمي الصومالي، دفعت أطرافاً في الحكومة الصومالية الأسبوع الماضي للقيام بتجاوزات للإضرار بالعلاقة الإماراتية الصومالية، رغم أن الجانب الصومالي هو المستفيد من هذه العلاقة اقتصادياً ولوجستياً، ولطالما وقفت دولة الإمارات باستمرار لدعم مسار السلام والاستقرار ودفع الصوماليين إلى الالتفات نحو بناء مستقبل مزدهر. لكن السلوك المفاجئ والمستهجن الذي تم اتباعه في التعامل مع مجموعة من أفراد قوات الواجب الإماراتية في مطار مقديشو مؤخراً لم يكن لائقاً ولا يتناسب مع ما قدمته الإمارات من جهود ومساعدات. لقد ارتكبت الصومال سلوكاً يعبر عن استمرار سيطرة وعي ما قبل الدولة لدى من يتخذون مثل هذه القرارات الحمقاء. فما حدث في مطار مقديشو يوم 8 أبريل الفائت هو احتجاز غير مبرر لطائرة مدنية خاصة مسجلة في دولة الإمارات، ذات الأيادي البيضاء التي تمتد بسخاء نحو الشعب الصومالي. ومضى سيناريو نقض وتجاوز الاتفاقيات الثنائية بين البلدين عبر قيام السلطات الصومالية بالاستيلاء على مبالغ مالية كانت مخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب متدربين تحت تهديد السلاح. كما شهدت الواقعة المؤسفة وغير المبررة سياسياً ودبلوماسياً وأمنياً تطاول بعض عناصر الأمن الصومالي على بعض أفراد قوات الواجب الإماراتية، ممن كانوا على متن الطائرة التي احتجزت وهم في مهمة تدريب ذات صلة بالتعاون العسكري المتفق عليه بين البلدين منذ 2014. ظهرت لمسات قطرية خبيثة على إخراج المشهد في مطار مقديشو والاستعداد المسبق لتصويره وتحويله إلى حدث بطولي، رغم أن خيانة الاتفاقيات تندرج ضمن الأفعال غير السوية التي لا يجب أن تقع فيها الدول إن كانت بالفعل قد تجاوزت طور الهمجية البدائية والغوغائية. ولمن لا يعلم فإن مشروعية الجهود التي التزمت بها دولة الإمارات ضمن حزمة مجالات الدعم المقدم للصومال، تستند رسمياً إلى مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين منذ نوفمبر 2014، وتشمل تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. لكن التصرف الأخير للسلطات الصومالية يعكس رغبة مقديشو في القفز على تقاليد العلاقات الثنائية بين الدول، ويعبر عن توجه لوضع السياسة الصومالية في مزاد المكايدات الإقليمية والصفقات المبنية على تصدير التطرف وبناء التحالفات المشبوهة. الدور القطري في تشجيع ورعاية السلوك الصومالي الهمجي وغير القانوني، يتضح من خلال التعاطي الإعلامي القطري الذي سعى إلى تضخيم الحدث واجتراره وتحويله إلى أسطوانة الأسبوع في وسائل التواصل الاجتماعي. بينما كان للمنصفين رأي مختلف ارتكز على وضع الحقائق أمام الجمهور. فعندما نتحدث عن العلاقات بين الإمارات والصومال لاشك أن الطرف الأكثر استفادة سيكون الصومال، ولسنا بحاجة إلى التذكير بما قدمته الإمارات للشعب الصومالي خلال فترة المجاعة التي اجتاحت الأراضي الصومالية، إلى جانب رعاية وإقامة العديد من المؤتمرات المخصصة للداعمين والمساهمات الإماراتية الدائمة ضمن الدول المانحة في إطار حشد الدعم للصومال، وإخراجه من محنته ومن الصورة المعتادة التي انطبعت في أذهان أقطاب المجتمع الدولي، الذين ظلوا لسنوات ينظرون إلى الصومال باعتباره مجرد محطة انطلاق لمجموعات القرصنة البحرية. واستمر وقوف الإمارات إلى جانب الصومال في أزماته المختلفة، وتم الاتفاق على تقديم دعم عسكري للقوات الصومالية يشمل جوانب التسليح والتدريب، وفي الجانب الاقتصادي أصبحت الإمارات أكبر شريك تجاري للصومال. لكن في النهاية انحازت السلطة الصومالية إلى خيار اللعب على المتناقضات وخيانة الاتفاقيات. والمضحك أن تقوم مقديشو بتصوير وصول جزء من مبالغ الدعم المقدم لتدريب جيشها إلى مسرحية مدفوعة الثمن!