فقاعة «بيتكوين» الأخيرة لم تكن الأولى، وقد لا تكون الأخيرة. فقد حدث من قبل مرة في عام 2011، ومرتين في عام 2013، أن ارتفعت أسعار هذه العملة ارتفاعاً كبيراً، ثم انهارت. ولكن لماذا تتعرض البيتكوين لفقاعات متكررة؟ هناك سبب واحد لذلك هو الافتقار إلى السيولة؛ حيث إن عدداً قليلاً نسبياً من الناس هم الذين كانوا يملكون، ويتبادلون العملة المشفرة في السنوات الماضية، وبالتالي كانت أي زيادة صغيرة في الشراء، تدفع السعر إلى الارتفاع بشكل كبير، وأي تراجع ولو كان محدوداً عن الشراء، كان يجعله ينهار. والسبب الثاني هو أن «بيتكوين» كانت، على الأقل حتى وقت قريب، أصلاً جديداً. وهذا يعني أنه لم يكن لدى المضاربين أي فكرة حقيقية عن عدد المستثمرين المحتملين في العملات المشفرة الموجودين في السوق. وتبين النظرية الاقتصادية أن شيئاً مثل هذا يمكن أن يؤدي بسهولة إلى تجاوز الحد المعقول، بحيث يدفع المستثمرون العقلانيون - مؤقتاً- سعر أحد الأصول للأعلى، وإلى أبعد من قيمته المستدامة طويلة الأمد. تقول النظرية الأساسية لعلم المالية، إنه إذا لم تكن هناك طريقة للاستثمار وتحقيق ربح من وراء انخفاض الأصول، فإن السعر يتحدد من قبل المشترين الأكثر تفاؤلاً. فإذا اعتقد بعض المتداولين أن سعر«بيتكوين» مبالغ فيه، لكن ليس لديهم طريقة للمراهنة على اعتقادهم هذا، فسوف يلجؤون لبيع حصتهم والجلوس خارج السوق. وأي شخص يبقى بعد ذلك في السوق سيكون من المتفائلين، الذين سيقدمون على شراء عملة «بيتكوين» مقابل السعر المرتفع، الذين يعتقدون أن تلك العملة تستحقه. هذه الآلية هي جزء أساسي من كل نظرية للفقاعات المالية. فقد بينت ورقة شهيرة صدرت عام 1978 كتبها كل من «مايكل هاريسون»، و«ديفيد كريبس»، أنه في حالة عدم البيع على المكشوف، فإن المستويات المتباينة من التفاؤل والتشاؤم، ستؤدي حتماً لدفع المتعاملين العقلانيين نحو زيادة أسعار الأصول إلى أعلى من قيمها الجوهرية. كان هناك نموذج لاحق من الفقاعات والانهيارات تناوله كل من «ديليب أبرو» و«ماركوس برونرمييه» أظهر أن هناك حداً لعمليات البيع على المكشوف، وهو ما توصل إليه أيضاً نموذج آخر أعده «خوسيه شاينكمان» و«وي شيونغ»، يقوم على أنه في حالة البيع على المكشوف، يقترض المستثمر الموجودات مثل الأسهم أو السندات ويبيعها،على أمل شرائها مرة أخرى مقابل مبلغ أقل، لإعادتها إلى المقرض والاحتفاظ بفرق السعر كربح. في عام 1997، اقترح كل من «أندريه شليفر» و«روبرت فيشني» أن يقوما بوضع هذا النوع من القيود، التي جمعاها تحت عنوان عام هو «حدود المراجحة»، وهي عبارة عن نظرية موحدة للأسباب التي تؤدي لفشل الأسواق المالية، والبحث عن الكيفية التي فشل بها المتداولون الأذكياء، في منع الفقاعات حتى يومنا هذا. والقيود على المراجحة يمكن أن تساعد في تفسير سبب تعرض «البيتكوين» للضعف الشديد. حتى وقت قريب، كان من السهل اتخاذ موقف طويل الأمد، ولكنه مكلف، ومحفوف بالمخاطر، للمراهنة على العملة المشفرة. ولكن الأمور تغيرت في ديسمبر الماضي، عندما سمح المنظمون في الولايات المتحدة بتداول العقود الآجلة للبيتكوين. وجاءت هذه الخطوة في منتصف فترة ارتفاع سريع وتاريخي في سعر «بيتكوين»، وغيرها من العملات المشفرة. ولكن بمجرد أن بدأت العقود الآجلة في التداول، حدث شيء مثير للاهتمام، حيث أشارت أسعار العقود الآجلة إلى أن نمو البيتكوين سيتباطأ. ما حدث بعد ذلك كان تاريخياً. حيث انهارت أسعار البيتكوين من مستوى مرتفع كان قد وصل إلى ما يقرب من 19000 دولار، إلى أقل من 7000 دولار حتى تاريخ كتابة هذه المقالة. هل كانت هذه مصادفة؟ محتمل. لقد أدت الزيادة الهائلة في الطلب على البيتكوين إلى تضخيم الفقاعة، وتسببت في زيادة الطلب على سوق العقود الآجلة. لكن توقيت الانهيار، الذي حدث مباشرة بعد إدخال أسواق العقود الآجلة، غريب، ويعكس النتيجة التي توصلت إليها ورقة أعدها عام 2006 عالما الاقتصاد «تشارلز نوسير» و«ستيفن تاكر»، اللذان أدخلا سوقاً للعقود الآجلة في تجربة تداول ووجدا أنه:«عندما توجد أسواق العقود الآجلة، لا تحدث الفقاعات في أسواق’ الأصول التجريبية‘ لدينا. وعلى ما يبدو أن أسواق العقود الآجلة تخفض المضاربات وأخطاء القرارات التي تؤدي إلى فقاعات الأسعار في أسواق الأصول التجريبية». هذا يشير إلى أن هناك طريقة جيدة وسهلة متاحة للمنظمين، يمكن لهم بها الحد من حدوث الفقاعات. تتلخص هذه الطريقة في أنه عندما يتم إنشاء أصل جديد، أو دخول مجموعة من المستثمرين الجدد إلى السوق، لا بد من السماح بتداول مزيد من العقود الآجلة وغيرها من التبادلات التي تسمح للمتشائمين بتسجيل معتقداتهم التشاؤمية علناً. هذا الإجراء لن يمنع جميع الفقاعات، لكنه سيساعد بالتأكيد في الحد من وقوعها. أما إبقاء المتشائمين خارج السوق، فهو وصفة للفقاعات والانهيارات المتكررة، لأن المضاربين المبالغين في الشراء لا يعودون قادرين على السيطرة عليه في هذه الحالة. أما عندما تكون قواعد اللعب متكافئة فيمكن للمتشائمين أن يكبحوا جماح المتفائلين. *أستاذ العلوم المالية المساعد بجامعة «ستوني بروك» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»