بمراقبة الممارسات الإعلامية لقطر في الآونة الأخيرة، وتحديداً منذ فبراير 2018، يُلاحظ وجود تركيز مكثف على انتقاد دولة الإمارات والإساءة إليها، وإلى عدد من رموزها السياسيين، من زاوية تناول أمور صغيرة لا يكاد المرء أن يلاحظها لولا التناول المشبوه لها الذي يقوم به الإعلام القطري من خلال أجهزته المضللة التي إما أنها تنتمي إلى من يحكمون قطر حالياً مباشرة، أو من خلال أجهزة أخرى مدفوعة الأجر تبث من إيران أو غيرها من الدول التي تناصب الإمارات العداء أو تسير في الفلك الإيراني والقطري والتركي. وعندما نتحدث عن صغائر الأمور، فإننا نعني بذلك ما تم تداوله - كمثال - بأن شخصاً ما يعيش في الغرب نشر على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يعمل مستشاراً لدى رمز سياسي من دولة الإمارات، وبأن ذلك الرمز دفع بالمستشار المزعوم للعمل على كسب النفوذ والتأثير على سياسات رئيس الولايات المتحدة الأميركية لمصلحة دولة الإمارات تجاه قضايا الخليج العربي، وكأن أمراً من هذا القبيل سهل وميسور لكي يقوم به مثل هذا المستشار الذي نسمع به قط في الإمارات. مثل هذه المزاعم التافهة وغير القابلة للتصديق يوجد الكثير منها في أبوقة الإعلام القطري المأجور، فهل هذا ممكن وما هي دلالاته السياسية؟ التأثير على مؤسسة الرئاسة في الولايات المتحدة أمر غير ممكن لكل من ادعى بأنه يعمل مستشاراً لدى دولة أجنبية، هذا أولاً، فهذه المؤسسة من الحصانة السياسية والمنعة الأمنية أن أقرب المستشارين لدى رؤساء الولايات المتحدة أنفسهم لا يستطيعون التأثير عليهم بهذه البساطة والسطحية. أما ثانياً، فإن الدلالة السياسية هي إفلاس الإعلام القطري في أن يجد لنفسه مادة إعلامية ذات واقعية سياسية ترتبط بالحقيقة يمكن له من خلالها التأثير السلبي على سمعة الإمارات، فهي دولة فتية تشق طريقها بقوة في عالم اليوم، ولا يمكن للصغار بصغائرهم أن يؤثروا عليها أو ينالوا من سمعتها ولو استأجروا أعتى عتاة الإعلام في العالم، وأنفقوا ما أنفقوا من أموال الشعب القطري المغلوب على أمره. إن هذه أمور مفروغ منها وتصب في فراغ سحيق ولن تجني النخبة القطرية الحاكمة وإعلامها المضلل من ورائها شيئاً. لكن دعوني أتساءل معكم: ما الذي يدفع ممن يحكمون في قطر اليوم إلى مثل هذه الصغائر؟ ما اعتقده هو أن العجز والإفلاس السياسي وضمور الثقافة السياسية هي التي تدفع بهم في هذا الاتجاه. يُعرف الانثروبولوجيون الثقافة بأنها تتكون من ثلاثة عناصر أساسية، هي: أنماط السلوك والأشياء التي يصنعها الإنسان لنفسه، وأنماط الاعتقاد التي تسود في المجتمع ولدى النخبة السياسية الحاكمة. ويرتبط بذلك نمط الثقافة السياسية التي تنبثق منها القرارات السياسية التي لا تتخذ في فراغ، ونوع المؤسسات السياسية التي لا تعمل في فراغ أيضاً، وهنا لا يمكن فهم الأداء السياسي للنظام الحاكم دون وجود اعتراف شعبي بنفوذ الثقافة السياسية على النظام الحاكم. لكن بالنظر إلى الحالة القطرية الآن لا توجد لدى النخبة السياسية الحاكمة وعي سياسي ولا ثقافة سياسية معترف بها شعبياً لأن جميع قراراتها ومواقفها تصب في غير صالح قطر ومواطنيها. لذلك فهم يدخلون في مغامرات سياسية خطيرة لا يقدرون مدى خطورتها على أنفسهم وشعبهم وجيرانهم وأشقائهم عرب الخليج العربي. من أهم الأعمال المشينة التي تمارسها النخبة الحاكمة في قطر هي دعم الإرهاب العالمي وإيواء فلول «الإخوان» في الدوحة، فهذه الفلول من الإرهابيين و«الإخوان» من مختلف أنحاء العالم تمارس أعمالاً إرهابية خطيرة لها بواعث أيديولوجية عالية لا يفهمها أو يفقهها من يسلطون إعلامهم المضلل على الإمارات ورموزها السياسيين عالية الكفاءة، والأمثلة على ذلك كثيرة. لقد تنبهت القيادة السياسية في الإمارات وغيرها من دول المقاطعة إلى ذلك الإرهاب مبكراً، فتصدت له وحاربته، عدا حكام قطر الحاليين، وها هم وإعلامهم المضلل مستمرون في الإمساك بأصغر الصغائر ويقومون بتضخيمها، إساءة إلى الإمارات ورموزها السياسيين وشعبها متناسين أنها تذهب هباءً منثوراً. د. عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي