«كيمياوي دوما».. وخطأ الانسحاب الأميركي من سوريا «كريستيان ساينس مونيتور» في تقريره المنشور الاثنين الماضي بـ«كريستيان ساينس مونيتور»، وتحت عنوان «في سوريا.. تغيير التكتيك لمواجهة واقع جديد»، استنتج «بيتر جراير» أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد سحب القوات الأميركية من سوريا، لكن الأحداث التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية ربما تجعل واشنطن أكثر انخراطاً في هذا البلد الذي يعاني من حرب أهلية طاحنة. الأسلحة الكيمياوية مسألة يمكن التركيز عليها، ففي نهاية الأسبوع الماضي شن نظام الأسد هجوماً كيمياوياً على «دوما»، إحدى ضواحي العاصمة دمشق. ترامب بث تغريدة علق فيها على الهجوم الكيمياوي الأخير، قائلاً: هناك ثمن كبير يتعين دفعه، معتبراً أن هذا الهجوم يعد تجاوزاً للخط الأحمر، وهدد بتصعيد، يرى الكاتب أنه ربما يشبه الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة العام الماضي بصواريخ «كروز» ضد مطارات سوريا. تهديدات ترامب، تأتي بعد أسبوع واحد فقط من إعلانه بل وإصراره على أن الوقت قد حان لانسحاب القوات الأميركية من سوريا، على اعتبار أن تنظيم«داعش»الإرهابي قد مني بهزيمة واضحة في المنطقة. ولدى الكاتب قناعة مفادها أن أجيالاً سابقة من الرؤساء قد اكتشفوا أن نموذج الحرب العالمية الثانية القائم على التدخل العسكري في النزاعات لتحقيق نصر كبير، ومن ثم إعادة القوات إلى الوطن وطي صفحة هذه النزاعات، لم يعد صالحاً للعمل في وقتنا هذا. والدليل على ذلك أن القوات الأميركية لاتزال منتشرة في كوريا الجنوبية وفي العراق وأفغانستان، كما أن القوات الأميركية لاتزال موجودة في أوروبا. والسبب يفسره «جورج إدوارد الثالث» أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس، قائلاً: عندما نتدخل، نعتقد أن نبقى هناك لفترة قصيرة بعدها نعود لديارنا، لكن هذا التحليل ثبُت أنه خطأ، فالحقيقة المجردّة أن التدخل العسكري يسفر عن قضايا جديدة، تترتب عليها مسؤوليات جديدة. لكن التصريح الذي أدلى به الرئيس ترامب، وأفصح خلاله عن رغبته في الخروج من سوريا، أصاب المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع بالدهشة. ومن وجهة نظر ترامب، فإن الهدف الأميركي قد تحقق بدحر داعش في العراق وسوريا، ومنعه من تدشين«خلافته»، لكن الحرب الأهلية السورية لم تنته، بل وتسير في مصلحة بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، ويبدو أن هذا لا يُشكل من وجهة نظر ترامب خطراً استراتيجياً، لأنه يتبنى فكرة «أميركا أولاً». مساعدو ترامب نصحوه بأن الانسحاب السريع من سوريا غير عملي، لكنه أوضح أنه يريد سحب القوات الأميركية في أقرب وقت ممكن، وهذا يعني شهوراً على أعلى تقدير وليس سنوات. الآن بعد تعرض ضاحية«دوما»لهجوم كيمياوي، وبعد انتشار صور الأطفال وهم مختنقون، سيعود زخم الصراع من جديد لدى ترامب الذي أخبر الصحفيين بأنه لا يمكن السماح من الناحية الإنسانية بوقوع هذا الهجوم من جانبه، يرى السيناتور«الجمهوري» جون ماكين أن إعلان ترامب نيته سحب القوات الأميركية من سوريا شجع الأسد على استخدام الأسلحة الكيمياوية لتطهير الضواحي التي يسيطر عليها معارضوه، بينما رأى آخرون أن الهجوم الكيمياوي الأخير، سيزيد من أهمية تطبيق استراتيجية جديدة وصحيحة في التعامل مع الأزمة السورية. «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها أول أمس، وتحت عنوان«في سوريا.. ترامب يواجه حدود التبجح، رأت«نيويورك تايمز» أن العالم بدا كما لو أنه مصاب بالخدر وهو يشاهد المدنيين السوريين يموتون خلال الأيام القليلة الماضية بأسلحة كيمياوية في دوما التي تحاصرها قوات الأسد، المتهمة - من قبل الخبراء- بشن معظم الهجمات الكيمياوية التي وقعت في السنوات الخمس الأخيرة، والبالغ عددها الآن 85 هجوماً، علماً بأنه كان لديها برنامج ضخم لإنتاج الأسلحة الكيمياوية، قبل أن يتعهد النظام السوري بالتخلي عنه في 2013، لكنه لم يلتزم بتعهده. الهجوم الكيمياوي في دوما أودى بحياة 70 سورياً، والسؤال: ما هي الخطوة الأميركية المقبلة في سوريا؟ هناك من يرى أنه سيقوم بما لم يقم به سلفه أوباما ويستخدم القوة الأميركية، لكنه تحدث عن الانسحاب من الشرق الأوسط والابتعاد عن التزامات واشنطن على الصعيد الدولي. وعلى هذا النحو لن يكون بمقدور ترامب وقف العنف في سوريا، ومن دون وجود خطة موحدة يُجمع عليها حلفاء أميركا، لن يكون بوسع الرئيس الأميركي سوى تقوية موقف الأسد! ترامب بحاجة إلى العمل مع قوى دولية كبرى كي يستطيع إجبار الأسد وإيران وروسيا على وقف المجازر ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من تجاوزات، وعلى مجلس الأمن الدولي- تقول الصحيفة- تقع مسؤولية منح صلاحيات لخبراء كي يجروا تحقيقات مستقلة لمعرفة من المسؤول عن استخدام الأسلحة الكيمياوية ومقاضاته أمام المحكمة الجنائية الدولية. وإذا ثبت ضلوع النظام في هجوم دوما الكيمياوي، فإنه يتعين فرض عقوبات جديدة عليه من بينها تجميد أصوله المالية. وعن العمل العسكري، الذي طالما تفادته واشنطن، فإن على الكونجرس أن يتحمل المسؤولية عنه، والموافقة عليه حال طرحه، وطالما أن الفيتو الروسي يمنع استخدام القوة ضد النظام السوري، فإن ترامب يحتاج للتعاون مع حلفائه من خلال«الناتو». «واشنطن بوست» في مقاله المنشور بـ «واشنطن بوست» يوم الاثنين الماضي، وتحت عنوان«ماكين يتجه إلى مستوى جديد في نقد ترامب موجها إليه اللوم على الهجوم الكيمياوي الذي وقع في سوريا»، أشار»آرون بلاك«إلى أن السيناتور»الجمهوري«جون ماكين وجّه اللوم لترامب على الهجوم الذي طال ضاحية دوما القريبة من العاصمة السورية دمشق، مفسراً لومه لترامب بتصريحات الأخير التي نوّه فيها لانسحاب عاجل من سوريا، ما يؤكد مقاربة ترامب الرافضة للتدخل، وهذه الأخيرة عززت موقف الأسد. «واشنطن تايمز» في مقاله المنشور بـ«واشنطن تايمز» يوم الإثنين الماضي، وتحت عنوان«سوريا وترامب والانعزالية»، اقتبس»كال توماس«تحليلاً كانت صحيفة»واشنطن فري باكون«قد نشرته، للكاتب»آرون كليجمان«الذي سرد فيه خمسة أسباب تؤكد ضرورة بقاء القوات الأميركية في سوريا. أولها أن تنظيم»داعش«الإرهابي لا يزال يُشكل تهديداً، السبب الثاني يكمن في استرجاع درس الانسحاب الأميركي من العراق في 2011، فبعده اندلعت الحرب الطائفية بين السُنة والشيعة، ومن ثم تجميع عناصر«القاعدة»، التي تحولت إلى«داعش»، واستوجبت وجوداً عسكرياً أمر به ترامب. ثالثاً: الانسحاب المبكر من سوريا سيضعف سياسة ترامب تجاه إيران، التي تتضمن التخلي عن الاتفاق النووي الإيراني وربما يتخذ هذه الخطوة مايو المقبل، وهو ما يراه الكاتب بلا جدوى، بل سيدفع باتجاه التنازل عن سوريا لمصلحة إيران. رابعاً: الانسحاب سيجعل واشنطن تفقد قدرتها في التأثير على الأحداث وتفقد السيطرة على النظم الديكتاتورية العدوانية، وفي الوقت الذي تعلن إدارة ترامب رغبتها في الانسحاب من سوريا تجري روسيا وتركيا وإيران قمة في أنقرة لتحديد مستقبل سوريا، فمن دون وجود أميركي على الأرض لن يكون بمقدور واشنطن التنبؤ بمستقبل سوريا، التي قد تصبح قاعدة للإرهاب. السبب الخامس أن الانسحاب الأميركي معناه التخلي عن الأكراد كحليف ما سيجعل حلفاء واشنطن يفقدون الثقة فيها، وهي ثقة مطلوبة في ظل التعاون المطلوب في الحرب على الإرهاب.