بما أن مؤشر «ناسداك» يعاني في الوقت الراهن من أطول سلسلة خسائر يومية منذ نوفمبر 2016 ؛ ومع وجود مؤشرات أسهم أخرى تحت الضغط، فإن هناك شعوراً واضحاً بعدم الارتياح، يسود بين المستثمرين الذين كانوا يعتقدون حتى وقت قريب، أن عمليات البيع محدودة للغاية في مدتها، وصغيرة في حجمها، ويمكن عكسها بسرعة. الآن، تبدو الأسواق، وكأنها قد أصبحت، فجأة، أقل ثقة، في قدرتها على التغاضي عن العوامل السياسية؛ وأكثر تعرضاً للعدوى من الأخبار المتعلقة بالشركات تحديداً، ومنها على سبيل المثال تورط «فيسبوك» في ممارسات إرسال رسائل سياسية مشكوك فيها. وهناك أيضاً عمليات إعادة اصطفاف مهمة تؤدي إلى هذه المشكلات: - بعد فترة طويلة، غير معتادة، من الكبح الفعال للتقلبات، بدأت الأسواق تنتقل إلى نظام تشغيل، يتضمن مستويات «طبيعية» (أي أعلى) من التقلبات. - إعادة ضبط نموذج التقلب، وهو الأول من بين ثلاث عمليات تحول مستمرة، تؤدي بطبيعة الحال، إلى إعادة تسعير مجموعة واسعة من فئات الأصول الأخرى. فالأسهم التي لديها أوسع ملكية مشتركة، أو تقييمات مرتفعة –أو إحداهما- معرضة بشكل خاص للمخاطر، شأنها في ذلك شأن تلك التي تفتقر إلى قاعدة مستثمرين عميقة، ومتفانية. - يمكن لقصص الشركات الفردية، مثل فيسبوك، أن تضيف مزيداً من عدم الارتياح، عندما ينظر إليها على أنها مؤشر محتمل، لقضية أوسع نطاقاً ؛ مثل الخطر المتزايد، الذي يمكن أن ينتج من رد فعل الحكومة والمجتمع، على شركات التكنولوجيا الكبيرة التي تزداد أهمية بشكل منتظم. - عملية إعادة ضبط السوق هذه، معرضة لتضخيم تقني، بسبب «التجارة المزدحمة» في مجالي التكنولوجيا، والائتمان، إلى جانب الإفراط في الوعود المتعلقة بالسيولة، المرتبطة بالانتشار الأخير لبعض الصناديق المتداولة في البورصات، والمدى الذي يذهب إليه بعض المستثمرين في السعي من أجل العوائد. - يتوافق كل هذا، ويتفاعل، مع تحولين رئيسيين آخرين. الأول، يتعلق بالسياسة، وبالخروج التدريجي، والمدروس من المجتمع المصرفي المركزي، ومن الاعتماد المطول على التدابير غير التقليدية. أما الثاني فيتعلق بالانتعاش المتزامن الحالي في النمو العالمي، الذي يوفر للاقتصادات المتقدمة، على وجه الخصوص، أفضل فرصة منذ الأزمة المالية العالمية، لإنهاء حالة النمو المنخفض للغاية، والنمو الشامل غير الكافي، اللتين استمرتا لسنوات طويلة. - بالإضافة إلى التأثيرات قصيرة الأجل، والنواحي الفنية المتعلقة بالسوق، فإن نجاح هذه التحولات الرئيسية الثلاثة - في السوق، والسياسة والأنظمة الاقتصادية - سيحدد رفاهية المستثمرين، بما في ذلك سرعة، وانتظام، والمقصد النهائي، لعملية إعادة تسعير أصولهم المالية. - من المتوقع، أن يستمر مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في مسار تطبيع السياسة، مما يعني أن هذا البنك المركزي المهم، يخرج تدريجياً من عملية الكبح الواقعي لتقلبات السوق. - في الوقت نفسه، فإن ثقة الأسواق في اتجاه التحول الاقتصادي نحو بيئة من النمو العالمي الأكثر شمولية، تعرضت لهزة جراء الحديث المتكرر عن الحروب التجارية. هذا القلق بين المستثمرين، قد يعرّض للخطر النجاح الدائم للسياسات الداعمة للنمو، التي تم تنفيذها في الولايات المتحدة، وعملية التعافي الاقتصادي الطبيعي (ليس فقط في أوروبا واليابان، وإنما أيضاً في البرازيل وروسيا)، والنطاق المتاح لمزيد من السياسات الداعمة للنمو، مثل سياسات الإنفاق على البنية التحتية في الولايات المتحدة، وغيرها من دول العالم. - ما بدا أنه ثقة مهتزة للسوق، في العواقب العديدة المفيدة لانتعاش متواصل، ومتزامن في النمو العالمي، تضاعف بسبب التبلور الفعلي لبعض المسائل مثل ارتفاع العوائد، وارتفاع قيمة الدولار، والتدابير الحمائية، والتي كانت قد فشلت في التبلور في العام الماضي. - هذه الأمور ثبطت، بطبيعة الحال، عملية تكيف واسعة النطاق، كان يقوم بها المستثمرون، لشراء الأسهم والسندات التي انخفضت أسعارها، وهو ما سيؤدي حتماً للمزيد من تقلبات أسعار الأصول، ويجعل تقلبات السوق بشكل عام، أكثر وضوحاً، وأقل أحادية في اتجاهها، في المدى الطويل. وطالما استمر النمو العالمي في الازدياد على نحو مستدام، وأكثر شمولاً، فإن العوامل الأساسية المؤثرة، ستساعد في ترسيخ انتقال السوق الذي طال انتظاره، بعيداً عن دعم السيولة، وتجاه الأسس الاقتصادية والمؤسساتية الأقوى. وعلى الرغم من أن هذا من شأنه أن يحمل آمالاً في وجود أساس متوسط الأجل وأكثر نجاعة بالنسبة للأسواق، إلا أنه لا يعني بحال العودة إلى التقلبات المنخفضة، بشكل غير طبيعي، التي سادت في العام الماضي. إن تقلب الأسعار في اتجاهين في الأسابيع الأخيرة، والذي يتناقض تناقضاً حاداً مع فترة الهدوء الطويلة التي سبقته، يعد مؤشراً أفضل على ما هو قادم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»