في 7 أبريل 2017، أطلقت القوات المسلحة الأميركية 59 صاروخ كروز على قاعدة جوية سورية لمعاقبة بشار الأسد على استخدامه أسلحة كيماوية ضد مواطنيه. وحسب بعض التقارير، فإن الرئيس السوري احتفل بذكرى مرور عام على الضربة يوم السبت، عبر إصداره أوامر بشن هجوم آخر بالأسلحة الكيماوية يقول نشطاء المعارضة، إنه قتل عشرات الأشخاص في مدينة دوما. وتبدو هذه المرة الثامنة على الأقل التي يشن فيها الأسد هجوماً من هذا القبيل هذه السنة – هو الأكثر جرأة. فبعد أن رأى أن الولايات المتحدة لن ترد على انتهاكاته المتكررة للقوانين الدولية، قرر الأسد تكثيف استخدامه لأسلحة الدمار الشامل. الفظاعة الأخيرة تكشف خطأ الإشادات بضربة الرئيس دونالد ترامب في 2017. إشادات لم تصدر فقط عن شخصيات متملقة للرئيس («إننا فخورون بك»، هكذا قال الإذاعي مارك ليفن للرئيس ترامب)، ولكن أيضاً من منتقدين سعوا للظهور بمظهر المنصف. وعلى سبيل المثال، فإن السيناتورين جون ماكين، «الجمهوري» عن ولاية أريزونا، وليندسي جراهام، «الجمهوري» عن ولاية كارولاينا الجنوبية، قالا في بيان مشترك: «خلافاً للإدارة السابقة، واجه الرئيس ترامب لحظة محورية في سوريا وقام بشيء. ولذلك، فإنه يستحق دعم الشعب الأميركي». والحق أنني دعمتُ أيضاً الضربة، ولكنني استبعدت أن ترقى إلى الكثير. ومثلما كتبت حينها، فـ«إذا كان ترامب مهتماً حقاً بـ«عمل حاسم في سوريا، فسيتعين عليه أن يذهب إلى ما أبعد من ذلك. ذلك أن المطلوب هو خطة دبلوماسية- عسكرية شاملة لإنهاء حرب أهلية عمرها ست سنوات خلّفت الكثير من المعاناة الإنسانية، وقوّت الكثير من التنظيمات المتطرفة». وغني عن البيان القول إن إدارة ترامب لم توفر أي خطة من هذا القبيل، فالإدارة الحالية تبدو أشبه بثقب أسود لكل الخطط، وبدلاً من استراتيجية، فإنها تخضع كلياً للتوجهات الرئاسية. ومنذ قيامه بدورة شرفية عقب ضربة صواريخ كروز، ترك الرئيس الأميركي الأسد، إلى جانبه داعميه الروسي والإيراني، دون إزعاج ليواصلوا أعمال القتل الجماعي، بل إن ترامب أوقف دعم التنظيمات المتمردة التي تقاتل الأسد، وركز بالمقابل على هدف القضاء على تنظيم داعش. والآن، وقد بات خط النهاية يلوح في الأفق، يبدو أن ترامب وضع لوزارة الدفاع مهلة تنتهي في أكتوبر لسحب الجنود الأميركيين - رغم أن البنتاجون، ووزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية، وإسرائيل والدول العربية... كلها تقول له إن ذلك سيمثل خطأ فادحاً على اعتبار أن من شأن انسحاب مبكر أن يعرّض نجاح الحملة العسكرية ضد«داعش» للخطر ويسلّم شرق سوريا للأسد وداعميه. والواقع أن رئاسة ترامب هي ثاني رئاسة أميركية على التوالي تسيء اجتراح سياسة تجاه سوريا، ما سمح بتحول البلاد إلى«تشيرنوبل جيوسياسية» تصدِّر اللاجئين والإرهابيين عبر العالم، على حد وصف الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بترايوس. فالرئيس باراك أوباما التزم شفاهياً بالتخلص من الأسد، ولكنه رفض القيام بأي شيء جدي لإحراز هذه النتيجة. وفي 2013، رسم أوباما«خطاً أحمر» ضد استخدام أسلحة كيماوية – ثم رفض فرض احترامه، وبالمقابل، توصل لاتفاق رعته موسكو ادعى بموجبه الأسد التخلص من كل الأسلحة الكيماوية، ولكنه لم يفعل. وقد كان ترامب من أشد منتقدي سياسات أوباما – ولكن بعد ذلك راح يقلده. ففي 2013، بعث تغريدة على تويتر تقول:«مرة أخرى، إلى زعيمنا الأحمق، لا تهاجم سوريا – ذلك أنك إذا فعلت، فإن كثيراً من الأشياء السيئة ستحدث، والولايات المتحدة لا تستفيد من ذاك القتال في شيء!»، ولكن بعد أربع سنوات على ذلك، هاجم ترامب سوريا، ثم عاد إلى موقفه الانعزالي الأصلي»، كما حذر ترامب مراراً وتكراراً من كشف خططنا العسكرية للعدو. ومرة أخرى في 2013، كتب تغريدة على تويتر تقول: «إن الجنرالين العظيمين ماك-آرثر وباتون، الزعيمين والمقاتلين الحقيقيين، يتقلبان الآن في قبريهما بينما نعطي سوريا معلومات ووقتاً للاستعداد». والآن، ها هو ترامب يبعث برسائل إلى أعدائنا مفادها أننا نستعد لمغادرة سوريا - وهي ضمانة قوّت الأسد دون شك وشجّعته على تكثيف استخدامه للأسلحة الكيماوية. ويوم الأحد، انتقد ترامب أوباما بشدة لفشله في فرض احترام «خطه الأحمر المعلَن في الرمل» – أي، فعل ما نصحه ترامب بفعله في 2013 - منددا بقوة بـ«الأسد». وربما مرة أخرى، سيعمد الرئيس الأميركي إلى إطلاق بضعة صواريخ كروز، ولا شك أن الرد العسكري سيكون مبرراً، لأنه من المهم الحفاظ على معيار دولي ضد أسلحة الدمار الشامل، ولكن ذلك لن يرقى إلى سياسة حقيقة تجاه سوريا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز»