يمْثُل مارك زوكربيرغ رئيس شركة «فيسبوك» أمام الكونغرس الأميركي اليوم، للرد على أسئلة أثارتها فضيحة انتهاك خصوصية البيانات الشخصية للملايين من مستخدمي الموقع الإلكتروني المشهور، إلى جانب شكاوى متزايدة أهمها الشكوى من تحوله منبراً للأخبار المزيفة. كما تنتهي اليوم أيضاً المهلة التي منحتها المفوضية الأوروبية للشركة للرد على أسئلة وجهتها إليها في الموضوع نفسه. مطلوب من زوكربيرغ ومعاونيه إجابات شافية عن أسئلة تثيرها فضيحة لا يجدي الاعتذار نفعاً بشأنها، وفي مقدمتها السؤال عن الخطوات التي تعتزم الشركة اتخاذها لمنع حصول فضائح مشابهة في المستقبل، فهل أصبح من الضروري وضع ضوابط على وسائل الاتصال الاجتماعي من النوع الذي يُفرض على وسائل الإعلام التقليدية؟ وماذا عن طبيعة هذه الضوابط ومدى فاعليتها؟ فقد ازدادت الدلائل على أن حصول شركة «كمبريدج أناليتيكا» للاستشارات السياسية على بيانات نحو 50 مليوناً من مستخدمي «فيسبوك» لعب دوراً في نتيجة الاستفتاء الذي أُجري على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016، وأسفر عن تأييد خروجها منه بغالبية طفيفة تقل عن 2 في المئة من الأصوات. كما أن الموقع القيادي الذي تولاه ستيف بانون في هذه الشركة يثير شكوكاً في استخدام تلك البيانات للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، بحكم دوره الرئيسي في حملة الرئيس ترامب حين كان مرشحاً، رغم أن المسؤولين في الشركة نفوا حدوث ذلك. أيام عصيبة، إذن، تعيشها إدارة «فيسبوك» في مواجهة أزمة من النوع الذي لا يجدي الاعتذار نفعاً في التعامل معه. نشرت إعلانات على صفحات كاملة في عدد من الصحف البريطانية الصادرة في 25 مارس الماضي. اعتذر زوكربيرغ في هذه الإعلانات باسم الشركة، وقال: «أعتذر عن أننا لم نبذل مزيداً من الجهد لأداء مسؤولية حماية البيانات». كما عبر عن مضمون هذا الاعتذار في عدد من المقابلات أجرتها معه محطات تلفزيونية أميركية. والحال أن شركة «فيسبوك» فقدت قدراً لا يُستهان به من أهم رأسمال في عالم الأعمال اليوم، وهو الثقة التي اهتزت، فتراجعت أسهم الشركة بعد كشف الفضيحة، وخسرت مليارات الدولارات جرّاء هذا التراجع. وربما تزداد الخسائر إذا أدى اهتزاز الثقة إلى هجرة أعداد كبيرة من مستخدمي الموقع إلى مواقع تواصل أخرى. ومن شأن تناقص أعداد مستخدمي موقع «فيسبوك» أن يُفقده تدريجياً المكانة المتميزة التي تمتع بها جرّاء امتلاكه كماً هائلاً من بياناتهم الشخصية التي صار أصحابها مُهددين بإساءة استخدامها. إنها، إذن، أزمة من نوع لا تسهل معالجته. فليس أصعب من الأزمات التي تؤدي إلى اهتزاز الثقة. تحتاج استعادة الثقة إجراءات مقنعة. وقد وعد زوكربيرغ بتعديل المعادلات الرياضية الأساسية، والبرامج الرئيسية التي يعمل على أساسها الموقع. كما تعهدت الشركة بإنهاء شراكاتها مع عدد من شركات الوساطة الكبرى في عالم البيانات، والتي تقدم مساعدات لشركات الإعلان على مواقع التواصل الاجتماعي. غير أنه لا يوجد بعد ما يدل على أن لديها رؤية واضحة تتيح معالجة شاملة للأزمة، سواء على صعيد حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، أو على مستوى الحد من تدفق الأخبار المزيفة. بدأت إدارة «فيسبوك» في فرض رقابة على محتوى المواد السياسية. وقد أصبحت هذه الرقابة ضرورية بالفعل. لكن لا يبدو أن لديها خبرة كافية لتجنب اتخاذ إجراءات غير ضرورية، وقد يؤدي بعضها إلى مزيد من اهتزاز الثقة، كما حدث مؤخراً عندما تم حجب صورة تمثال من الحجر الجيري مصنف ضمن روائع فنون المرحلة الأخيرة في العصر الحجري القديم، بدعوى أنه على شكل امرأة عارية، رغم أن طوله يقل عن ربع متر، ولا تظهر فيه بالتالي أي تفاصيل، فضلاً عن أن مشاهديه يعرفون أنه يعود إلى مرحلة بدائية في التاريخ. وتسبب هذا الحجب في أزمة أخرى بعد أن أثار ردود فعل سلبية صدر أهمها عن متحف التاريخ الطبيعي في فيينا، حيث يُعرض التمثال. فقد أعلن المتحف رفض حظر أي عمل فني أو قطعة أثرية، ودافع عن حق الناس في الاتصال بالفنون والآثار. فما كان من إدارة فيسبوك إلا أن اعتذرت عن حجب صورة التمثال. ويبدو أنه سيكون عليها أن تعتذر بشكل متكرر في الفترة المقبلة عن أخطاء قد ترتكبها خلال محاولتها معالجة أزمة اهتزاز الثقة، ما دامت تفتقر إلى رؤية واضحة لما ينبغي عمله في هذا المجال. د. وحيد عبد المجيد* *مدير مركز الأهرام للدراسات والبحوث الاستراتيجية