لم يعد يفصلنا سوى نحو شهر عن أول قمة من نوعها بين رئيس أميركي وزعيم كوري شمالي ورث الحكم عن أبيه وجده، حيث يتوقع أن يلتقي الرئيس ترامب وكيم جونغ أون في مايو، أو أوائل يونيو القادم، وذلك بعد أن التقى كيم في مارس مع الزعيم الصيني شي جين بينغ. وهناك سببان لتحول كيم المفاجئ نحو الدبلوماسية والتفاوضن بعد سنة أبدى خلالها نزعة قتالية غير معتادة. فالكوريون الشماليون قلقون بشكل متزايد من الإشارات والتسريبات من واشنطن التي تشير على ما يبدو إلى أن ترامب قد يكون جاداً بشأن استخدام القوة العسكرية ضدهم، حتى وإن أدى ذلك إلى حرب كبيرة. أما السبب الثاني، فهو أنهم يتوقعون أن حزمة العقوبات الاقتصادية الجديدة التي باتت الآن مدعومة بشكل كامل من الصين، ستشكّل ضربة قوية لاقتصادهم الآخذ في التعافي. وهم لا يريدون مزيداً من الدمار لاقتصادهم، ولا يريدون التعرض للحرب، وبالتالي فهم يحتاجون لاستراحة. غير أن التخلي عن البرنامج النووي ليس مطروحاً على الطاولة عملياً. والخيار الواقعي الوحيد هو تعليق للاختبارات النووية وعمليات إطلاق الصواريخ. ومع بعض الإلحاح، ربما يستطيع المفاوضون الأميركيون الحصول على تفكيك جزئي لمنشآت الإنتاج النووية والصاروخية الكورية الشمالية، لكن مكاسبهم لن تذهب إلى أبعد من ذلك، وأياً يكن الأمر، فإن الكوريين الشماليين سيحتفظون ببعض الأسلحة النووية التي أنتجوها، غير أنه بالنسبة للكثيرين في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، سيكون من الصعب قبول صفقة جزئية من هذا النوع، لهذا سيتعين إخفاء عيوبها بصورة ما، وهنا تأتي فكرة «التجرد التدريجي من الأسلحة النووية». وجوهر هذه المقاربة هو تقديم «صفقة تجميد نووي» جزئية باعتبارها الخطوة الأولى فقط على الطريق الطويل نحو تجريد كوريا الشمالية من الأسلحة النووية، مع افتراض ضمني بأن الخطوة المقبلة لن تحدث قريباً، هذا إن كان لها أن تحدث أصلاً. وخلال محادثاته مع شي، شدّد كيم، بعد أن عبّر عن اهتمامه الجديد بالتخلي عن الأسلحة النووية، على أن تكون العملية «تصاعدية ومتزامنة»، أي تدريجية وتقوم على فكرة «خطوة مقابل أخرى». وعلى ما يبدو، فإن الصينيين يؤيدون هذه المقاربة. وهذا أساسي، إذ من دون المشاركة الفعالة للصين التي تسيطر على 90? من تجارة كوريا الشمالية الخارجية، فإن نظام العقوبات سينهار على الفور. ولتؤشر إلى أن موقفها قد يتغير، عمدت بكين إلى إرخاء عمليات المراقبة على الحدود عقب قمة كيم شي، ما سمح بالتالي بحدوث مزيد من الصفقات التجارية. هذا يحدث ليس لأن الصين تتغاضى عن الطموحات النووية لجارتها، ولكن لأن صناع القرارات في بكين يدركون أن أي محاولات لانتزاع تنازلات من بيونغ يانغ أكبر من «التجميد» مصيرها الفشل، لا بل إنها قد تأتي بنتائج عكسية. وللأسف فإنهم على حق. وبالتالي، فإنه لا يسع المرء والحالة هذه، إلا الأمل في أن يجد خبراء الإدارة الأميركية طرقاً لتقديم الصفقة الجزئية باعتبارها نجاحاً غير مسبوق. وإلا، فإن عملاً عسكرياً سيصبح محتملاً، ولأنه لن يكون لدى الكوريين الشماليين خيار آخر غير الرد بإطلاق الأسلحة المتوافرة لديهم، فإن عملاً من هذا القبيل سيمثل فرصة كبيرة للزج بكل شرق آسيا في أتون حرب كبيرة، ما سيمثل كارثة ليس للمنطقة فحسب، ولكن للولايات المتحدة أيضاً، إذ ستجد نفسها منخرطة في نزاع على نطاق لم تشهده منذ حرب فيتنام. وهكذا فإن ثمة أسباباً وجيهة للأمل في نجاح صفقة جزئية، مهما كانت عيوبها ونقائصها. صحيح أنها غير مثالية، لكن اتفاقاً مثالياً هو شيء غير قابل للتحقيق، وكل البدائل الواقعية تظل أسوء! أندري لانكوف* *أستاذ الدراسات الكورية بجامعة كوكمين في سيئول ------------------------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»