في ذكرى الاحتفال بيوم مارتن لوثر كينج في يناير الماضي، أصدر البيت الأبيض بياناً أعلن فيه أن أيقونة الحقوق المدنية الراحل أدرك بأن «الناس كي يروا بعضهم بعضاً كأنداد يتعين عليهم أن يشعروا بقوة رابطة أقوى من العرق. وكانت هذه الرابطة لدى كينج هي أميركا». والواقع أن كينج كان يحلم بأميركا، لكن حلم كينج بأميركا لا يشبه أميركا التي تتجلى اليوم في واشنطن. فبعد خمسة عقود من اغتيال كينج، أصبح لدى أميركا بيت أبيض هو الأكثر بياضاً والتعيينات الرئاسية أصبحت أكثر استبعاداً للأعراق الأخرى منذ رئاسة هربرت هوفر. وتأليف إدارة دونالد ترامب يظهر زعم البيت الأبيض بأنه يحكم بموجب «الروح الأميركية في الإخاء». ومن الصعب أن نجد عهداً، منذ مقتل كينج، أقل وداً عرقياً من العهد الحالي. والاختلاف بين الماضي والحاضر على أوضح ما يكون. وهذا يوضحه كتاب لزميلي السابق في «واشنطن بوست»، ستيفن ليفينجستون بعنوان «كيندي وكينج: الرئيس والقس ومعركة الحقوق المدنية». ورصد ليفنيجستون الأجواء التي كانت سائدة في بداية رئاسة جون كيندي حين كان كينج يتحدى الرئيس كي يتحرك تجاه الجرائم العرقية في أميركا. وحتى قبل مواجهة الفصل والتمييز في الجنوب، جاء كيندي إلى السلطة مطالباً حرس السواحل باندماج الأعراق المختلفة وسط صفوفها. وفي أول اجتماع للوزارة، طلب كيندي من الأعضاء البدء في عملية تعيين السود في مناصب مهمة. وأشار ليفينجستون إلى أنه «بحلول يوليو 1961، بعد ستة شهور من تنصيب كيندي رئيساً، أصبح السود يسيطرون على نحو 50% من المناصب العليا في إدارته». وفي السنوات التالية، تولى أميركيون أفارقة وزارات، منهم كولين باول وكوندليزا رايس اللذان تعاقبا على حقيبة الخارجية في إدارتي بوش الابن. وذكر تقرير لصحيفة «الجارديان» أن كثيراً من المناصب الوزارية في إدارة الرئيس باراك أوباما تولاها نساء ورجال من غير البيض. وكانت النسبة في إدارة بوش الأولى تبلغ 45%، لكن في المقابل هناك 80% من تعيينات ترامب للوظائف الكبيرة ذهبت إلى رجال بيض. وترشيحاته للمحاكم الاتحادية الأميركية توضح نموذجاً مشابهاً للاستبعاد، فحتى نوفمبر الماضي كان 91% من المرشحين للمحاكم الاتحادية من البيض و81% من الذكور. والاختلاف بين حلم كينج باحتواء كل الأعراق وبين الهوية البيضاء التي يتبناها ترامب، يتجاوز مجرد الإحصاء العرقي. فكما لاحظ ليفينجستون، فقد أراد كينج، مثل كيندي، أن يعيش في عالم مندمج. وكان هذا إيمانهما الداخلي رغم الاختلاف في سرعة ونطاق التغيير. وكلا الرجلين سعيا لجعل أميركا تعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة. وليس الأمر كذلك اليوم، فعدد كبير من الأميركيين يرون الإدارة الحالية محفزاً أساسياً على تراجع البلاد فيما يتعلق بالقضية العنصرية. وأشار استطلاع لوكالة «اسوشيتدبرس» ومركز «نورك» للشؤون العامة في فبراير الماضي، إلى أن ثلثي الأميركيين ليسوا راضين عن الطريقة التي يعالج بها ترامب العلاقات بين الأعراق، ومن هؤلاء 59% من البيض، و91% من الأميركيين الأفارقة. و73% من الراشدين يرون أن ما يفعله ترامب كرئيس يضر بالأميركيين الأفارقة. ولا يُرجح أن تتكرر العلاقة بين كينج وكيندي في عهد ترامب. فكيندي كان «لديه استعداد للتنوير والتعاطف. وبعد أن ألح كينج في السؤال بشأن الجرائم الأخلاقية التي يتضرر منها المجتمع الأسود، تحرك الرئيس أخيراً». وكان كينج يعتقد أن كيندي «لديه الرؤية والحكمة ليرى المشكلة بكل أبعادها والشجاعة ليفعل شيئاً حيالها»، ولم يكن تنوير الرئيس سهلاً، لكن كينج واصل مساعيه، وكان الاحترام متبادلاً. كولبيرت كينج* *كاتب أميركي حاصل على جائزة بوليتزر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»