مقارنة بما يشتهر به نظام القضاء البرازيلي من بطء شديد، تميز إيقاعه في الأيام القليلة الماضية بسرعة ملحوظة. فبعد أقل من 24 ساعة من عجز الرئيس البرازيلي السابق «لويس ايناسيو لولا دي سيلفا» عن إقناع المحكمة العليا بتركه ليدافع وهو طليق ضد إدانته بالفساد، أصدر القاضي الاتحادي سيرجيو مورو أمراً باعتقاله. لذلك من غير المؤكد ما إذا كانت قضية لولا ستترك مؤسسات الحكم في البرازيل في حال أفضل. والشكوك تبدأ من أعلى، حيث يعج البرلمان والحكومة بأشخاص تحوم حولهم شبهات فساد كثيرة، وتقلب المحكمة العليا في القضايا المحورية يعرقل الأمور بقدر ما يدعمها. وحين سلم لولا نفسه للشرطة الاتحادية مساء السبت الماضي، بعد يوم من الموعد النهائي الذي حددته المحكمة، كان هناك 78 مشرعاً ووزيراً آخرين يواجهون تهماً ولم يخضعوا بعد للمحاكمة. ومنذ عودة البرازيل إلى الديمقراطية في ثمانينيات القرن الماضي، تعرضت مؤسساتها الحاكمة لاضطرابات كثيرة تضمنت سقوط ثلاثة رؤساء وسلسلة فضائح مازالت تتكشف من الفساد السياسي المدمر على مدار عقد من الزمن. وتحقيق «غسل السيارات» التاريخي الذي كشف مؤامرة لأقطاب الأعمال الفاسدين ورجال السياسة المهمين أوضح مدى قدرات الشرطة المخلصة والادعاء والمدققين والقضاة حين يعملون في تناغم. وكانت المحكمة العليا في قمة هذا المسعى ضد الفساد وتمت الإشادة بها على نطاق واسع وعن حق حين أدانت أكثر من 20 مسؤولًا كبيراً في قضية رشى عام 2012. لكن سجل أعمال المحكمة العليا منذئذ أصبح أكثر غموضاً. فمنطق المحكمة قد يستغلق على أفهام حتى أولئك المنغمسين في أروقة القضاء. وينطبق هذا الاستغلاق على الحكم الصادر يوم الأربعاء الماضي والذي استغرق 11 ساعة بشأن إذا ما كان يجب سجن «لولا» على الفور أم يسجن بعد استنفاد كل إجراءات الدفاع الممكنة. و«لولا» مدان بحصوله على رشوة من مقاول والحكم تم تأييده، وفي الاستئناف تم تشديد العقوبة. والواقع أن المحكمة العليا في البرازيل تمثل ثلاث محاكم في محكمة واحدة، فهي تعمل كمحكمة دستورية تأول المسائل المجملة في القانون ومحكمة استئناف لأي قضية بها مسائل دستورية ومحكمة جنايات لكبار السياسيين وأصحاب المناصب الكبيرة الذين يتمتعون بالحصانة في المحكمة العادية. وتقف المحكمة العليا في البرازيل على قمة نظام قضائي يوصف بأنه «طاغية هائل» له سلطة واسعة وميزانية ضخمة. لكن هذه السطوة الهائلة ترهق المحكمة العليا الاتحادية بعبء هائل من القضايا التي تضم أكثر من 80 ألف قضية في العام. ولا يرهق «معدل الاختناق» الكبير هذا المحكمة فحسب بل يمنح سلطة كبيرة أيضاً للقضاة الأفراد. وقد تجلى ذلك بوضوح أثناء جلسة هذا الأسبوع بشأن لولا. فقد أراد بعض القضاة أن يقتصر بحثهم على مسعى لولا في أن يبقى خارج السجن بينما أصر آخرون على أن المحكمة يجب أن تبحث قانون القضايا الدستورية بشأن السجن نفسه. هذا رغم أن المحكمة نفسها قد حسمت هذا الأمر قبل عامين وقررت بأغلبية، في اتساق مع معظم الأنظمة القانونية الأخرى، أن السماح للمدانين بعدد لانهائي من عمليات الاستئناف قبل السجن يفتح باباً خلفياً للحصانة لأكثر المجرمين ثراءً. فما أن أصدرت المحكمة قرارها ضد لولا حتى أشار قضاة معارضون إلى اعتزامهم إثارة نقاط دستورية في الجلسات المقبلة. ولذا ما على البرازيليين إلا الانتظار، فربما يتم إرسال لولا وعشرات آخرين أدينوا في قضية «غسل السيارات» إلى السجن لارتكابهم الفساد كي يتم الإفراج عنهم لاحقاً على أسس دستورية. *كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»