حين ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثامن من نوفمبر عام 2016، ربما كان من المعقول إلى حد كبير أن يشعر الليبراليون أن الطوفان قد حاق بهم. لكن يتضح بشكل متزايد فيما يبدو أن انتخاب دونالد ترامب ربما كان أفضل شيء حدث لليسار والحزب الديمقراطي منذ عقود. فقد ألقى استطلاع جديد للرأي لصحيفة «واشنطن بوست» ومؤسسة أسرة كايزر (كايزر فاميلي فاونديشن) الضوء على مدى التحفيز الذي قامت به رئاسة ترامب للعمل بالنسبة لتيار اليسار. وجاء في تقرير لـ«واشنطن بوست»: «إن عشرات الملايين من الأميركيين انضموا إلى الاحتجاجات والاجتماعات الحاشدة في العامين الماضيين، وتحركهم النشط كان مدفوعاً في الغالب بالإعجاب أو الغضب تجاه الرئيس ترامب». واستطلاع الرأي الذي قامت به «واشنطن بوست» ومؤسسة أسرة «كايزر» يشير إلى فاعلية جديدة قد تؤثر على انتخابات نوفمبر المقبل. وقد جاء في تقرير الصحيفة أيضاً أن هناك «واحداً من كل خمسة أميركيين احتجوا في الشوارع أو شاركوا في اجتماعات سياسية حاشدة منذ بداية عام 2016. وذكر 19 في المئة من هؤلاء أنهم لم يشاركوا قط من قبل في أي مسيرة أو تجمع سياسي. والغالبية الساحقة من النشطاء الذين تحركوا في الآونة الأخيرة ينتقدون ترامب، فهناك 30 في المئة يؤيدون الرئيس و70% يعارضونه وفقاً للاستطلاع. وذكر عدد كبير منهم أنهم يعتزمون المشاركة السياسية بشكل أكبر هذا العام، فقد أشار نحو الثلث إلى أنهم يعتزمون التطوع أو العمل في حملة انتخابات الكونجرس لعام 2018». وهذه أرقام استثنائية لأن نسبة واحد من كل خمسة أميركيين راشدين يمثل نحو 50 مليوناً ذكروا أنهم شاركوا في احتجاج أو اجتماع حاشد في العامين الماضيين. ولا أتذكر الوقت الذي شهدنا فيه مثل هذا العدد الكبير من الاحتجاجات بمثل هذا الحجم أو الحماس، سواء أكان من أجل حقوق النساء أو من أجل إصلاح قوانين امتلاك الأسلحة النارية، أو فيما يتصل بالرعاية الصحية أو تمويل الهجرة والتعليم. ومن الممكن دوماً أن يخفت زخم كل هذه الطاقة، لكن المؤكد أن هذه الفعاليات النشطة ستقود إلى مزيد من الحراك والنشاط. فما أن يشارك المرء فسيواصل على الأرجح المشاركة على الأقل بدرجة ما. ورغم أنه من الصعب عادة أن يظل الناس الذين تم حشدهم في حملة ما على الدرجة نفسها من المشاركة بمجرد انتهاء الانتخابات، فإن التحرك ضد الجانب الآخر قد يكون أكثر يسراً. وإذا كان المرء قد تطوع بالمشاركة في حملة أوباما لعام 2008 مثلا، فإنه في مرحلة ما قد يتوقف عن الاستجابة لرسائل البريد الإلكتروني التي تريد منه التواصل مع ممثله في الكونجرس بشأن مشروع قانون ما. لكن إذا كان المرء يشارك في مسيرة عن حقوق النساء أو حول إصلاح قوانين امتلاك الأسلحة النارية أو غيرها من المسيرات المعنية بموضوعات مختلفة، فمن شبه المؤكد أنه سيذهب إلى التصويت في نوفمبر على أقل تقدير. ولدى الديمقراطيين الآن كل الزخم، فهم يفوزون بانتخاب تلو الآخر، ولديهم عدد غير مسبوق من الأشخاص الجدد للترشح لمناصب في كل المستويات، وقد أصبحوا أكثر وحدة في الهدف والأيديولوجيا من أي وقت مضى. وهم يحتاجون إلى هذا بعد ثمانية أعوام من رد فعل عكسي ضد رئيس أسود وحزب لم يكن يستثمر جهوده في المجال الواجب، لذلك أصبحوا أضعف مما كانوا عليه منذ عقود، ففقدوا الكونجرس وعانوا انتكاسات كبيرة في مجال مناصب حكام الولايات وأعضاء الكونجرس. ورغم أننا لا نعرف إلى أي مدى سيتحول هذا في نوفمبر القادم، فإنه من المؤكد أنهم سيحققون مكاسب كبيرة. ويحق لنا أن نتخيل وضعهم المحتمل الآن لو أن هيلاري كلينتون كسبت أصوات المجمع الانتخابي بالإضافة إلى التصويت الشعبي. فربما لم يقر الكونجرس الجمهوري أي تشريع يؤيد الأهداف الليبرالية ولو من بعيد، بل كان سيشغل نفسه بتحقيقات في كل شيء تفعله إدارة كلينتون، ولكانت هناك احتجاجات جديدة لحزب الشاي في الشوارع، ولكان قد بدأ الحشد مبكراً لانتخابات 2018.. وكان من شبه المؤكد أن تعزز مثل هذه الانتخابات قبضة الجمهوريين على الكونجرس وعلى المجالس التشريعية في الولايات. أما الآن، ومع قيام جيل جديد من النشطاء والناخبين، فربما ننظر إلى الوراء إلى هذه اللحظة باعتبارها ميلاداً جديداً للحراك الليبرالي كما كانت انتخابات عام 1964 بداية انتعاش الحركة الشعبية للمحافظين التي خرجت من رحم حملة المرشح الرئاسي الجمهوري باري جولدووتر. ولا نعرف بعد تأثيرات كل هذه الحركة الناشطة في المدى البعيد. لكن ليس لدي أدنى شك في أنه في السنوات المقبلة سيكون هناك رؤساء بلديات مدن وحكام ولايات وأعضاء في مجلس الشيوخ وربما رئيس من الديمقراطيين ممن سيسألون أنفسهم: «لماذا شاركت في السياسة؟»، وستكون الإجابة: «كل هذا بدأ حين اُنتخب دونالد ترامب». بول والدمان كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»