لطالما حذر العاهل الأردني جلالة الملك عبد الله الثاني من استغلال الميليشيات واستخدامها للدين في الصراعات الإقليمية، وفي السياق نفسه هو لا يعتقد بأن إيران ستغير سياستها الخارجية التي اعتمدت منذ عقود، ويرى أن الحوار هو أفضل وسيلة لحل المشاكل مع إيران، وخاصة أن سياسة فرض الأمر الواقع الإيرانية تخلق تحديات كبيرة في سوريا ولبنان واليمن وتهدد مستقبل لبنان وتنخر في الجسد السياسي الفلسطيني المتهالك وتمهد لتهويد الكامل للقدس. ومن جهة أخرى تعاني للمملكة الأردنية من تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لدرجة أن الخبز الذي يُعد أساسياً لملايين الأردنيين تم رفع الدعم الحكومي عنه، وارتفعت أسعاره بنسبة 100% وأضحى محرك الغضب الدائم في احتجاجات الشعب الأردني، ناهيك عن مشروع قانون ضريبة الدخل والنمو الاقتصادي البطيء، ولا تزال ميزانية الدولة تعاني من العجز، في حين أن الديون الأجنبية والمحلية قد تجاوزت 37 مليار دولار، أي ما يوازي قرابة 94% من الناتج المحلي. ومن جانب آخر انخفضت المساعدات الخارجية للمملكة في عام 2018، ومن الخارج هناك التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تجتاح المنطقة بوتيرة متسارعة، كما أن الأردن لديه قلق من تلويح الولايات المتحدة بخفض الدعم المقدر بـ 1.2 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية السنوية إذا لم تخضع الأردن للضغوط الأميركية بقبول سياستها في القدس. وبالرغم من أن الملك عبد الله كان الزعيم العربي الوحيد الذي التقى به الرئيس الأميركي ترامب ثلاث مرات في العام الماضي، وهو زائر مألوف إلى مبنى الكابيتل هيل، ويتمتع بعلاقات ممتازة مع المشرعين الرئيسيين في الكونجرس فإن كل ذلك لن يمنع ترامب من اتخاذ إجراءات عقابية ضد الأردن والتغلب على اعتراضات الكونجرس عندما تكون مصلحة الكيان الصهيوني على المحك، وخاصة أن تحركَ ترامب في مسألة القدس قد وجّه ضربة قاتلة إلى حل الدولتين، وهو حجر الزاوية في الأمن القومي الأردني. ويقابل ذلك تحركات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المعادية لمصالح الأردن، واعتمادها إجراءات أحادية الجانب لتدعيم سيطرتها على الضفة الغربية ومما سيعطي مصداقية للأصوات الصهيونية المتطرفة التي تحلم بل تعمل على وجود دولة فلسطينية بالفعل في الأردن بجانب اتفاق وتنسيق عربي - إسرائيلي قائم فعلياً. فهناك شعور بالعزلة المتزايدة وربما حتى التهميش من قبل الأردن في ضوء التحالفات المتحولة والتقسيمات الجديدة في المنطقة. وتاريخياً كانت السياسة الخارجية الأردنية عملية وحذرة، ومن جانبه كان الملك عبد الله في سنة 2004 أول من حذر من "الهلال الشيعي"، الذي يمتد من طهران إلى بيروت. وقد كانت العلاقات بين عمّان وطهران فاترة لعقود من الزمن، ووصلت إلى أدنى مستوى لها خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، ولكن في تحول مفاجئ اتجهت الأردن لتحسين العلاقات بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران في عام 2013، وحينما هاجم المتظاهرون الإيرانيون السفارة السعودية في طهران في يناير من سنة 2016، لم يقطع الأردن العلاقات مع إيران لتتحول العلاقة مع طهران إلى ورقة ضغط استراتيجية. فليس لدى الأردن أي نزاع مع طهران، وهناك بعض الضغوط السياسية الداخلية، التي تدفع بأهمية أن يفتح الأردن أبوابه أمام إيران، وذلك لأن طهران هي المدخل إلى العراق بسوقها الضخم، وعرضها الدائم بتزويد الأردن بمصادر طاقة رخيصة تصب في مصالح الأردن الوطنية، والإجراءات التي اتُخذت خلف الكواليس حول علاقات المملكة الأردنية الهاشمية مع الحكومة السورية، وأمل إعادة فتح الحدود بين البلدين وتصريحات أن العلاقات الأردنية مع الدولة والنظام السوري تسير في الاتجاه الصحيح، والتحدث عن أهمية أن يكون هناك استقرار في جنوب سوريا عبر الحدود من الأردن، والدور الحاسم التي تلعبه الأردن في الحفاظ على الهدنة في جنوب غرب سوريا، بالتعاون مع الأميركان والروس، والتزام الحكومة السورية وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى في الأجزاء الجنوبية من سوريا، بما في ذلك "الجيش السوري الحر"، ولم يحدث كل ذلك من دون تدخل ووساطة إيرانية ومحادثات تركية، مما ساعد على استقرار المنطقة الجنوبية المتاخمة للأردن. وتعد الأردن من الدول العربية القليلة التي رفضت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا أو إغلاق السفارة السورية في عمّان، وفي طي التصريحات من الجانبين وما هو مستتر خلف خطوط المصالح المتقاطعة يجب أن نبحث عن مستقبل العلاقة الإيرانية الأردنية وتوجها الحالي كبوصلة تأمين سياسي لأحد الجانبين.