في ظل الصراع المستمر بين الهند وباكستان حول عدد من القضايا، فإن العلاقات بين الدولتين المتجاورتين مشحونة بالتوتر. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن هناك في الآونة الأخيرة بعض المحاولات لتهدئة التوترات بين الجانبين ومحاولة المضي قدماً في بعض المجالات التي ليست محفوفة بالتوتر والتنافس في العلاقة بين البلدين. وهذه علامة مرحب بها حيث تحتاج الهند وباكستان لشكل من أشكال الحوار المستمر لضمان عدم تصاعد التوترات ووصولها إلى نقطة اللاعودة. بعد مرور أكثر من شهر من توجيه الهند وباكستان الاتهامات لبعضهما البعض بشأن عدد من القضايا ومن بينها مضايقة دبلوماسييهما، تراجعت الدولتان بشكل واضح خلال الأيام القليلة الماضية. وفي بيانات صحفية متطابقة تقريبا، اتفق الجانبان بصورة متبادلة على حل القضايا التي تتعلق بمعاملة الموظفين الدبلوماسيين من خلال الالتزام بـ «قواعد السلوك لعام 1992» بشأن معاملة الموظفين الدبلوماسيين والقنصليين في الهند وباكستان. جدير بالذكر، أنه في وقت سابق تبادلت الدولتان ادعاءات حول وقوع حوادث عديدة تعرض فيها الدبلوماسيون لمضايقات في دول بعضهم البعض. واتهم الجانب الباكستاني الهند بالتدخل في الإدارة السلسة للسفارة الباكستانية في دلهي، مستشهداً بحدوث 26 حالة مضايقات وتخويف للدبلوماسيين. ومن جانبها، اتهمت الهند أيضاً باكستان بارتكاب انتهاكات عديدة ومضايقات. ويوضح هذا القرار بالتراجع ووضع حد لهذا الفصل من الاتهامات أن كلا من الهند وباكستان قد شرعتا في التحدث مع بعضهما البعض عن طريق تنحية بعض الخلافات على الأقل جانباً. وقد يكون من المؤشرات المهمة الأخرى للخطوات التي يتم اتخاذها في هذا الاتجاه للمضي قدماً وتحقيق بعض المكاسب هو إعادة المسجونين المسنين الذين تزيد أعمارهم عن ستين عاماً، وهؤلاء الذين ليسوا في حالة ذهنية سليمة، والنساء وكذلك الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاماً. ولذلك، من الواضح أن هناك محادثات تدور من وراء الكواليس لتحقيق تقدم بشأن قضايا بعينها، حتى وإن كانت هناك فرص قليلة لاستئناف عملية السلام بين الدولتين على الأقل في الوقت الحاضر. يذكر أن العلاقات بين هاتين الدولتين النوويتين المتجاورتين، واللتين خاضتا ثلاث حروب وتتبادلان إطلاق النار بصورة منتظمة عبر الحدود الفعلية، قد تقلصت بعد أن قامت مجموعة من الإرهابيين الباكستانيين المسلحين بالتسلل إلى مومباي، التي تعد المركز المالي للهند، وقتلت 166 من المدنيين الأبرياء، مما أدى إلى التخلي عن عملية السلام بين البلدين. وتطالب الهند باتخاذ إجراءات ضد قادة جماعة «عسكر طيبة»، الذين يتخذون من باكستان مقراً لهم والذين تتهمهم الهند بأنهم العقل المدبر وراء هذه الهجمات. وقد ازداد الوضع سوءاً بعد أن أدانت محكمة عسكرية باكستانية «كولبهوشان جاداف»، وهو مواطن هندي وضابط سابق في البحرية الهندية، وحكمت عليه بالإعدام بتهمة التجسس. وعليه، أحالت السلطات الهندية القضية إلى محكمة العدل الدولية واتهمت إسلام آباد بإساءة معاملة الضابط، ولا تزال هذه القضية تمثل بؤرة توتر بين البلدين. ويوضح التخفيف من حدة الخطاب من جانب الدولتين في الشهر الأخير، وكذلك زيارة وفد صناعة الأفلام الهندية إلى كراتشي للمشاركة في مهرجان باكستان الدولي للأفلام أن كلا الطرفين قد عقدا العزم على إجراء محادثات مع بعضهما البعض بشأن تحسين العلاقات، حتى وإن كان بقدر ضئيل. ويأتي هذا التقدم المفاجئ وسط موجة من الزيارات المهمة من قبل القادة العرب من دول وسط آسيا والخليج العربي للهند وزيارات رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى تلك البلدان. وقد واصل هؤلاء القادة تقديم النصح إلى الهند وباكستان وحثهما على تطوير علاقاتهما وضمان عدم تصاعد التوترات إلى أن تصل إلى نقطة اللاعودة. إن الحرب بين الهند وباكستان لا تناسب الجارتين المسلحتين نووياً وأيضاً لا تناسب الدول في الخليج العربي والشرق الأوسط، والتي تريد أن يحل السلام في جنوب آسيا وتحرص على إقامة علاقات وثيقة دون اندلاع الأعمال العدائية بين الهند وباكستان. وتحرص العديد من دول الخليج على رؤية الهند وهي تلعب دوراً أكبر على الساحة العالمية وسط المعادلات المتغيرة. ومن ناحية أخرى، تتطلب الأوضاع الاقتصادية في كلتا الدولتين وجود روابط اقتصادية قوية بين الدولتين المتجاورتين. ومن هنا، تحتاج الهند وباكستان إلى تجنب العنف وتعزيز العلاقات التجارية من أجل الوصول بحجم التجارة المتبادلة إلى ما لا يقل عن 30 مليار دولار. وعلى الرغم من وجود طرق جيدة وسكك حديدية تربط بين الدولتين المكتظتين بالسكان، فإن حجم التجارة الثنائية في الوقت الحالي سيء للغاية ولا يتعدى 5 مليارات دولار. وقد كانت الهند تطلب من باكستان أن تمنحها وضع الدولة الأكثر تفضيلًا. وقد أعطت الهند لباكستان بالفعل هذا الوضع، بيد أن باكستان لم ترد بعد على المبادرة الهندية بالمثل. لذا، ففي الوقت الذي بدأت فيه الهند وباكستان محاولات للتخفيف من حدة التوتر بينهما، لا تزال الدولتان بعيدتان كل البعد عن العودة إلى الوضع الطبيعي أو تجديد عملية السلام التي شابها الجمود لعدة سنوات وحتى الآن. ـ ــ ـ ـ ـ مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي