الاستفتاء الذي أجري في إقليم كردستان العراقي مؤخراً حول فصله عن الوطن العراقي أقام دنيا المحيط الإقليمي للعراق ولم يقعدها، دع عنك جانباً ما أثاره من سخط وامتعاض في تركيا وإيران وسوريا ومعظم الدول العربية الحريصة على سلامة العراق ووحدة أراضيه وتماسك لحمة شعبه بكافة قومياته من عرب وأكراد وغيرهم. زعماء النخبة السياسية الكردية وعدد من أفراد العوائل الكردية المتنفذة جانبهم الصواب كثيراً عندما تزعموا عملية إجراء الاستفتاء وزعوها وساندوها، وفي المقام الأول سمحوا بها أصلاً، فعملية كهذه كان عليهم أن يكونوا حذرين جداً من حدوثها لأنها تعني تفتيت العراق بصورته القائمة وإضعافه وتمزيق وحدة الصف التي يتمتع بها شعبه، وبالتالي إتاحة الفرصة لأعدائه المحيطين به بافتراسه في نهاية المطاف، خاصة إيران وما تحمله من نوايا سيئة جداً ومبيتة تجاه العراق وكافة دول العالم العربي دون تمييز، ويكفي ما سمعناه مؤخراً حول موقفها السلبي وعدم تقديم أي شيء في مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي عقد في الكويت في فبراير الماضي. السؤال المهم هو: ما الذي أرادته النخبة الكردية من وراء فصل مناطق أكراد العراق عن الوطن العراقي الأم، رغم أن هذا الوطن ومنذ سقوط نظام "البعث" قدم للأكراد الكثير من الامتيازات وحقق لهم العديد من المطالب؟ وبالإضافة إلى هذا السؤال توجد في المخيلة العديد من التساؤلات التشككية حول النوايا الحقيقية التي تقف وراء هذه الرغبة الجامحة من قبل بعض الأكراد في الانفصال. فهل هم مغرر بهم من قبل أطراف خارجية لا تريد بالعراق وأهله خيراً؟ أم أن قادة النخبة الكردية ومن يتفوق خلفهم يريدون تحقيق أمجادهم الشخصية على حساب وحدة العراق وتماسك أراضيه وشعبه؟ أم هل أغوتهم المزايا الاقتصادية التي يتمتع بها الإقليم بالاستحواذ الأناني على هذه المزايا بعيداً عن أطياف الشعب العراقي الأخرى؟ وهل تستطيع مناطق أكراد منفصلة تكوين دولة مستقلة حقيقية وقادرة على حماية ذاتها من أطماع الجيران خاصة إيران وتركيا؟ وأين تقف إسرائيل من كل ذلك؟ في واقع الأمر، ورغم المآسي التي يعيشها العراق من تمزق وشتات منذ أن تعرض للغزو عام 2003، حقق الأكراد لأنفسهم العديد من المكاسب والمزايا، فرئيس الدولة العراقية كردي، وأجزاء واسعة من عوائد نفط الشمال تذهب مباشرة إليهم، وتقوم إدارة الإقليم، أو كما تسمي نفسها بحكومته بجبي الرسوم والضرائب والأتاوات بعيداً عن سلطة الدولة المركزية العراقية، ومنذ أمد طويل الوجود الشرعي للقومية الكردية معترف به وثابت، وجميع الحقوق الثقافية واللغوية وما يرتبط بها من تفاصيل للقومية الكردية مقرة، ويتم تدريس اللغة الكردية في جميع مراحل التعليم ومؤسسات في مناطق الأكراد وتم تعميم الأعمال الأدبية والثقافية والعلمية والسياسة المعبرة عن الطموحات القومية للأكراد وأقرت اللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في جميع المناطق ذات الأغلبية السكانية الكردية إلى جانب العديد من المزايا الهامة الأخرى التي تم توفيرها لهم، فماذا يراد بالانفصال بعد ذلك؟ لقد رحب الشعب العراقي بفئاته وقومياته الأخرى، بما في ذلك العرب أنفسهم، بجميع تلك الإجراءات عن طيب خاطر على أمل إنهاء حالة التوتر في شمال البلاد وإنهاء الحروب الأهلية التي ألمت بالمنطقة منذ أمد طويل، ولم تعد على الأكراد والعرب وغيرهم من مكونات الطيف السكاني العراقي سوى بالويل والقتل والدمار والتشريد وهدر الموارد التي كانت ولا زالت عملية التنمية وإعادة البناء في العراق أولى بها. ويلاحظ بأن ردة الفعل الإقليمية على إجراء الاستفتاء لم تكن هينة، فقد هددت كل من تركيا وإيران بالتدخل العسكري المباشر في المنطقة، في حين أن الحكومة المركزية في بغداد تدخلت بشكل رسمي ومباشر لإيقاف نتاج الاستفتاء بالقوة، لذلك فإن الأمل معقود بأن يتوب المنادون بالانفصال إلى رشدهم وأن ينسوا مسألة الانفصال جملة وتفصيلاً لأن ما ستعود به على الأكراد أنفسهم سلبية في جميع الأحوال. *كاتب إماراتي