أعلن الرئيس دونالد ترامب في تغريدة على تويتر، بمناسبة عيد الفصح، أنه قرر إلغاء الاتفاق الخاص بإضفاء الصبغة القانونية على صغار المهاجرين فيما يعرف ببرنامج «داكا». وبطريقته المبهمة المعتادة في بعض تصريحاته، والتي يَظهر فيها كثير من الإصرار في لحظة ثم سرعان ما يتوارى ذلك الإصرار في اللحظة التالية، فإن هذا قد يعني أحد أمرين: إما إلغاء البرنامج نهائياً، أو الإبقاء عليه وعدم إلغائه. فلنبدأ بالاحتمال الأول. انطلاقاً من ميول ترامب وتفضيلاته في الخطوات التي يتخذها، ومن الوتيرة المتسارعة للتطورات السياسية، يمكننا القول إنه موسم الانتخابات. ويا للعجب، إن الرئيس يحب خوض الحملات، وكما هو الحال مع أي شخص يؤدي دوره ويريد إسعاد جمهوره، فهو يعطي لجمهوره ما جاؤوا من أجله. والآن، كمسألة تتعلق بالسياسة العامة، فإن برنامج «داكا» ليس له علاقة كبيرة بالحدود. فسياسة «داكا» تنطبق على الأفراد الذين بدؤوا الإقامة في الولايات المتحدة قبل 2007، شريطة أنهم كانوا أطفالاً عند وصولهم، ما يعني أن خيار العيش كمهاجرين غير شرعيين كان خارجاً عن إرادتهم. وتوافق أغلبية كبيرة من الأميركيين على أن هؤلاء الأفراد، الذين نشؤوا في الولايات المتحدة، يجب السماح لهم بالبقاء، لكنهم على مدار سنوات كانوا رهينة لمداولات لا تنتهي في الكونجرس بشأن قضايا الهجرة الأكثر إثارة للجدل. وإدراكاً لعدم وجود إصلاح شامل لنظام الهجرة في الأفق، أمر الرئيس باراك أوباما وزارة العدل في عام 2012 بإنشاء فئة حمائية -وهي داكا– لتأجيل تنفيذ إجراءات الهجرة ضد الصغار القادمين إلى أجل غير مسمى. وعندما أعلن ترامب في شهر سبتمبر الماضي نيته إلغاء برنامج «داكا» بدلاً من الدفاع عنه ضد طعون المحكمة، قدّم الخطوة باعتبارها خطوة مؤلمة، مدفوعة تماماً باعتبارات سياسية. وأكد للمعنيين بالبرنامج أنهم لن يتعرضوا للأذى. وقال ترامب: «إن قلبي كبير بالنسبة لهؤلاء الذين نتحدث عنهم، وأكن حباً كبيراً لهم». وتوقع أنه لن يواجه متاعب كبيرة في إقناع الكونجرس بمنحهم وضعاً أكثر حماية من الإجراءات التنفيذية غير الدستورية التي يقال إن أوباما كان يطبقها. لقد اختفت هذه النغمات المعقولة منذ وقت طويل منذ أن وثب أرنب عيد الفصح على عشب البيت الأبيض. لقد مزج ترامب من خلال القرار الذي أعلنه على «تويتر» يوم الأحد الماضي بين قضية «داكا» ومجموعة من المواضيع التي بالكاد تتعلق بها، ومن بينها المخدرات، والأشخاص الذين يعيشون في بيوت متنقلة (كارافان) على الحدود مع المكسيك، والشبح الذي يطلق عليه «الجدار». وينبغي أن نضع في الاعتبار أن الأشخاص المتورطين في تجارة المخدرات ليسوا مؤهلين للاستفادة من «داكا»، وكذلك الحال بالنسبة للأشخاص الذين يتحينون فرصة لعبور الحدود مع المكسيك، ولا الأشخاص الذين ربما يعبرون هذه الحدود قبل تشييد الجدار. لقد انتهى برنامج «داكا» بوضوح كمسألة سياسة عامة إنسانية، وأثير كمشكلة سياسية. إنها لعبة يسعد الديمقراطيون بممارستها تماماً كما هو الحال مع ترامب. لكن، يمكن للعبة السياسية أن تستمر فقط طالما أن القضاة الفيدراليين مستمرين في حماية المشاركين في برنامج «داكا» من عواقب تصرف ترامب. لقد منعت المحاكم التنفيذ الكامل للأمر الذي أصدره الرئيس في سبتمبر الماضي. ولأن الأمر ظل باقياً، لم تمتلئ الموجات الإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي بعد بصور لشباب أميركيين بشكل كامل، نشؤوا وتعلموا في الولايات المتحدة، وهم ينتزعون من وظائفهم ومنازلهم وأسرهم.. ليتم ترحيلهم إلى دول لا يكادوا يتذكرونها. ولنفترض أن المحاكم كانت قد تنحَّت جانباً وسمحت بترحيل المشاركين في برنامج «داكا». قد يكون هناك عدد قليل من الأصوات الراديكالية المعادية للهجرة التي تحبذ هذه النتيجة، لكن معظم الأميركيين سيشعرون بالجزع. وفي مواجهة نتائج قراره في الحياة الواقعية والتي لا تحظى بشعبية، فمن المؤكد أن ترامب سيعيد اكتشاف «حبه العظيم للحالمين»، ولن يظل برنامج داكا ميتاً لفترة طويلة. وبعبارة أخرى، فإن الرئيس لديه الحرية للتخلي عن هذه السياسة تحديداً لأن المحاكم قالت -بالنسبة للوقت الراهن– أنها لن تحقق أي تقدم. لقد منحنا المؤسسين فرعاً قضائياً مستقلاً لكبح جماح السلطتين التنفيذية والتشريعية، أي لمنعهما من القيام بتجاوزات. ومن ناحية أخرى، تظهر استطلاعات الرأي بوضوح ماذا يفعل الجمهور في مثل هذه المواقف والخدع. إن عدم قدرة المسؤولين المنتخبين في واشنطن على حل القضايا، حتى عندما يؤيد الجمهور بقوة نتيجة بعينها، هو عامل أساسي في انهيار الثقة المدنية. وكما قال لي أحد أعضاء مجلس الشيوخ قبل بضعة أسابيع، فإ إن 70% على الأقل من الأميركيين يؤيدون حماية القادمين إلى الولايات المتحدة منذ الطفولة. بيد أننا الآن في موسم الحملات مرة أخرى، وقد تعلمنا ما يعنيه هذا: إن فن الصفقة يفسح المجال لفن الإثارة. ديفيد فون درهل كاتب عمود في صحيفة «واشنطن بوست» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»