ترتبط نوعية وكمية وأمن وسلامة الغذاء ارتباطاً وثيقة بالحالة الصحية، وبالحالة المرضية أيضاً. فبدايةً، يعتبر الغذاء –وبالتحديد الملوث منه- من أهم وسائل انتقال الأمراض المعدية، وأحياناً السموم القاتلة. مثل هذه النوعية من الأمراض، والتي تعرف بطائفة الأمراض المنقولة بالغذاء، تنقسم إلى قسمين رئيسيين: قسم ينتج عن وجود ميكروب في الغذاء، وآخر ينتج عن وجود سموم في الغذاء، سواء كانت سموماً صناعية أم طبيعية أم ناتجة عن جراثيم وميكروبات، ما يعني أن النوع الأول هو عدوى تقليدية تتم عن طريق تناول غذاء ملوث بميكروب، أو فيروس، أو طفيلي، يغزو بدروه الجسم عن طريق الجهاز الهضمي، ليسبب حزمة متنوعة من الأمراض المختلفة. أما القسم أو النوع الثاني، فهو ببساطة نوع من التسمم الكيميائي، بسموم طبيعية أو صناعية. ويمكن أيضاً لنوعية وكمية الغذاء -حتى ولو لم يكن ملوثاً- أن تتسبب هي الأخرى في مجموعة من الأمراض المختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي نقص محتوى الغذاء من الفيتامينات، أو من بعض العناصر والمعادن الأساسية، إلى طائفة متنوعة من الأمراض، بعضها بالغ الخطورة. كما يمكن أن يؤدي الإفراط في تناول بعض مكونات الطعام في أمراض هو الآخر، مثل الإفراط في تناول السكريات البسيطة وعلاقته بالسمنة وبالسكري، أو الدهون المشبعة وعلاقتها بأمراض القلب والشرايين، أو اللحوم الحمراء وعلاقتها بسرطان القولون. وتندرج الغالبية العظمى من الأمراض المرتبطة بالإفراط في تناول الطعام، ضمن قائمة أصبحت تعرف في عالم الطب بأمراض الثراء أو الأغنياء (Diseases of Affluence)، وهي القائمة التي تضم: السكري من النوع الثاني، والسمنة، وأمراض القلب، والسرطان، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض المناعة الذاتية، والربو الشعبي، وإدمان الكحوليات، والاكتئاب، وطيفاً آخر من الأمراض النفسية. وتتشابك العلاقة بين بعض تلك الأمراض، بحيث يصبح بعضها سبباً أو نتيجة للبعض الآخر، مثل السمنة، والتي تنتج جراء الإصابة ببعض الأمراض، وتتسبب هي نفسها في مجموعة أخرى. والغريب أنه برغم هذه العلاقة الوثيقة بين التغذية السيئة وبين العديد من الأمراض، لا يحظى هذا المجال بالكثير من الاهتمام في مناهج كليات الطب، ولا في تدريب الأطباء لاحقاً. فبرغم أن كتب ومناهج الطب تهتم اهتماماً كبيراً بالأمراض المنقولة بالغذاء، وبالأمراض الناتجة عن نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية، إلا أنها لا تمنح الكثير من الاهتمام بكيفية تحقيق الغذاء الصحي المتوازن في الطعام اليومي، ولا غيره من السلوكيات الشخصية والعادات اليومية، التي أصبحت تحتل موقعاً متقدماً على قائمة عوامل الخطر خلف الإصابة بالعديد من الأمراض. هذا الواقع جسّده رسالة كان قد وجهها مجموعة من كبار الأطباء البريطانيين إلى مجلس كليات الطب، وإلى المجلس الطبي العام (General Medical Council) وهو الجهة المسؤولة عن تسجيل وترخيص الأطباء في بريطانيا. وطالب الأطباء في رسالتهم تلك، بضرورة إدراج التدخلات الطبية الرامية إلى تغيير أسلوب الحياة، والمبنية على أدلة علمية، ضمن مناهج كليات الطب. والمعني بذلك، أنه يجب أن يتم تدريب الأطباء على أساليب علاجية، واستراتيجيات وقائية، تم إخضاعها للدراسة والبحث العلمي، وثبتت كفاءتها وفعاليتها، وقدرتها على تغيير نمط أو أسلوب حياة الشخص، ليس فقط كجزء من العلاج لمرض ما، وإنما ضمن نظرة شاملة وأوسع لتحقيق مستوى أعلى من الصحة العامة في المجتمع. ويأتي هذا الاهتمام المتصاعد بتدريب الأطباء على علاقة الغذاء بالصحة والمرض، ونمط وأسلوب الحياة بوجه عام، في ظل تغير الواقع الصحي والطبي خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية. ففي هذه الدول، وعلى خلاف الماضي القريب، أصبح 80 في المئة من زيارات الطبيب الممارس أو طبيب العائلة، تتم نتيجة الإصابة بمرض ناتج عن عادات شخصية سلبية أو نمط حياة غير صحي. وهو ما تؤكده حقيقة أن أمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، يحتلان حالياً المركزين الأول والثالث على قائمة أهم أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، وهما طائفتا الأمراض المعروف عنهما ارتباطهما الوثيق بنوعية وكمية الغذاء، وبنمط وأسلوب الحياة، بل إن في الدول الصناعية والغنية، تراجعت بشكل كبير أهمية الأمراض المعدية بأنواعها المختلفة، والأمراض الناتجة عن نقص الفيتامينات والعناصر الأساسية، ليحتل مكانها السمنة، والسكري، وأمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، كأكبر قضايا الصحة العامة، وكأهم أسباب الوفيات بين شعوب تلك الدول.