الأسبوع الماضي، وعقب محاولة روسيا اغتيال أحد جواسيسها السابقين وابنته في بريطانيا بسلاح كيماوي، أقدم 27 بلداً على طرد أكثر من 150 دبلوماسياً روسياً. وعلى نحو سريع وغير متوقع، ردت موسكو بالمثل، حيث أعلنت اعتزامها طرد 60 دبلوماسياً أميركياً. فهل يعني هذا نهاية وهم الرئيس ترامب بخصوص «صفقة كبرى» مع روسيا فلاديمير بوتين وبداية استراتيجية أعقل طويلة الأمد؟ بوتين يشعر بالفخر للعب لعبة قوية بأوراق ضعيفة، حيث يرى الكثير من الفرص لإعاقة خصومه في الخارج وتقوية موقفه أكثر في الداخل. وهذا يقتضي الانخراط في لعبة غير متكافئة من خلال الاعتماد على طرق ملتوية لتحقيق تقدم في عالم قاس، واستغلال نقاط ضعف المجتمعات المفتوحة وإبراز فوائد مجتمعه المغلق. ويواظب بوتين على تنقيح كتابه بشكل مستمر. وقد اختبره في الأماكن التي يعتبرها مهمة، وخاصة أوكرانيا. ويُعد الهجوم على الجاسوس السابق سيرجي سكريبال وابنته يوليا مثالاً كلاسيكياً آخر، وقبيحاً، لهذا النوع من اللعب. إنه رسالة لخصوم بوتين السياسيين مفادها أن للانشقاق ثمنا. ورسالة أيضاً تخبر خصومه في الغرب بأنه لديه النية في مهاجمتهم - والإفلات من العقاب. ولكن من خلال تدخله في الشؤون الداخلية والنسيج الديمقراطي لأميركا وحلفائها خلال السنوات القليلة الماضية، بالغ بوتين في الرهان على أوراقه. فهو مجازف لحد التهور، وقد اختلق معركة حيث لدى الغرب مصالح تفوق مصالحه. وربما يكون بوتين متفاجئاً بحجم الرد الجماعي للعالم على حادث «سكريبال»، ولكنه ليس منبهراً به. فهو يستطيع التغلب على تداعيات خسارة بعض عملاء المخابرات. ويراهن على أن الانقسامات في الغرب ستعني أن هذه التدابير هي نهاية الرد الغربي، وليست بدايته. ولكن من المهم أن يخسر بوتين هذا الرهان. هذا ليس دعوة إلى التهديد واستعراض القوة أو مواجهة عمياء، غير أنه إذا كان من غير الممكن وقف حسابات بوتين العدائية، فإنه يمكن تغييرها بطريقة ذات معنى من خلال تنسيق الضغوط. وهنا يأتي دور الدبلوماسية. والواقع أن نزعة بوتين الانتقامية القوية يمكن أن تُخفي ضعفه، ولكنها لا يمكن أن تمحوه، ذلك أنه يظل معتمدا على اقتصاد ذي بعد واحد، مكبوح بالعقوبات. بوتين يظل عالقاً في مغامراته بأوكرانيا وسوريا، ومتعاوناً بشكل متزايد مع الصين وطموحاتها المتزايدة. وبالتالي، فحتى يكون أي رد دبلوماسي فعالاً ينبغي أن يكشف نقاط ضعف بوتين بنفس فعالية سعيه إلى استغلال نقاط ضعفنا. وأكبر نقاط ضعفه هو عزلته الدبلوماسية. فهو لا يمتلك أي شيء قريباً من شبكة التحالفات والشراكات التي تجمع الولايات المتحدة وشركاءها. ولئن كان الاشتغال ضمن ائتلافات أبطأ وأصعب وأقل بعثاً على الشعور بالرضا دائما تقريبا، فإن نتائج السياسة دائماً تقريباً ما تكون أكثر فعالية وأطول. ولهذا، فإنه من المهم جداً التعاون مع حلفائنا و«منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» من أجل إنشاء إطار واضح للرد بقوة على إنكارات بوتين غير الجدية للتورط. وإذا كنا قد أظهرنا قدرتنا على العمل على نحو منسق بخصوص فرض عقوبات مؤلمة على روسيا بعد غزو بوتين لأوكرانيا، فقد حان الوقت الآن لتشديد التدابير أكثر، وتطبيق العقوبات التي مررها الكونجرس الصيف الماضي بشكل كامل، والتعاون بشكل وثيق مع شركائنا حتى يسيروا على النهج نفسه، ذلك أن علينا جميعاً تقليص نقاط ضعفنا أمام التدخلات الروسية، وحرمان أولئك الذين يساعدون تلك الجهود من الحصانة والإفلات من العقاب، بيد أن ثمة بعض الخطر في رد أكثر قوة على اعتداء بوتين. ولهذا، ينبغي أن نكون حذرين ونتجنب إثارة تصعيد من دون استفزاز في أوكرانيا أو إضفاء الشرعية على مخططات بوتين السرية - سواء في الفضاء السيبراني أو أنواع أخرى من العمل السري. غير أن الحفاظ على قنوات دبلوماسية وعسكرية ليس جميلاً أو مؤشر ضعف، بل طريقة لإظهار أنه إذا كنا لا نرضخ لبوتين، فإننا لن نتخلى عن هدفنا طويل المدى المتمثل في علاقات صحية مع روسيا. والحق أن ثمة احتمالاً كبيراً لأن تكون التدابير الاحتجاجية والعقابية التي أُعلن عنها الأسبوع الماضي ليست سوى مرحلة عابرة، ذلك أننا بدأنا منذ الآن نرى شقوقا وتصدعات داخل الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا منقسمة على نفسها بالنقاشات حول «بريكسيت»، وعلاوة على ذلك، فإن إدارة ترامب أشّرت إلى تحولات في السياسات مثل الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي سيسهّل على بوتين دق الأسافين بين الولايات المتحدة وشركائها واستغلال الوضع لصالحه. ومع ذلك، فإن التدابير الأميركية التي اتخذت الأسبوع الماضي تمثل مؤشراً يبعث على الأمل. والدبلوماسية الحذقة ما زالت تستطيع تسجيل نقاط. وهنا يأتي الدور الصعب. فالدبلوماسية لن تغيّر العلاقة مع روسيا بوتين، ولكنها تستطيع تدبيرها. وبوتين محق بشأن شيء واحد: أننا نملك الأوراق الأقوى والأكبر قيمة، وكل ما هناك أننا لم نحسن استخدامها ولم نستعملها بالشكل الأنسب. والآن ينبغي أن نضطلع بدور الزعامة من خلال الدبلوماسية ونُظهر قوتها وهدفها. أما إذا لم نفعل، فإننا سنكرّس الأوهام بشأن الشراكات مع ترامب ولا جدوى الدبلوماسية – ونخسر أوراقنا الأفضل والأقوى. ويليام بيرنز: نائب سابق لوزير الخارجية الأميركي، والسفير الأميركي إلى روسيا من 2005 إلى 2008 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»