هناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن اتفاق الدول الأعضاء في منظمة «أوبك» مع البلدان المنتجة للنفط من خارج المنظمة والخاص بتخفيض الإنتاج للمحافظة على أسعار عادلة في طريقه للتمديد، وربما للعقد القادم، وذلك بعد أن جنت البلدان المصدرة للنفط ثمار اتفاقها بوصول الأسعار إلى مستويات جيدة في الفترة الماضية. الظروف والمعطيات في سوق النفط العالمية تتغير بسرعة كبيرة، مما يتطلب تغيير الأدوات والوسائل التي تعاملت بها دول «أوبك» في السابق، فتركيبة المنظمة منذ إنشائها قبل ستين عاماً تقريباً لم تعد فعالة، وذلك لأسباب عديدة، كبروز دول كبيرة منتجة للنفط من خارج المنظمة، كروسيا والنرويج، وكذلك الاكتشافات الجديدة والتطورات التقنية المتقدمة، والتي غيرت كثيراً من وسائل استخراج النفط، إضافة إلى الخلافات المستمرة بين الدول الأعضاء. لذلك كان لا بد أن تعيد منظمة «أوبك» إنتاج ذاتها من جديد على شكل «سوبر أوبك» بانضمام أعضاء جدد أو التعاون الوثيق مع الدول الأخرى المنتجة للنفط، والتي من دونها لن تتمكن «أوبك» بوضعها السابق من التأثير على معدلات الإنتاج ومستويات الأسعار. من هنا تسعى كازاخستان إلى الانضمام إلى «أوبك»، في حين تسعى روسيا بثقلها النفطي والسياسي والاستراتيجي للعمل عن قرب مع المنظمة لتحقيق الاستقرار في الأسواق. ونتيجة للمكاسب السريعة والكبيرة التي حققتها الأسعار في الأشهر القليلة الماضية، والتي ساهمت في تعزيز الأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة، فقد انضمت أكثر من عشرة بلدان منتجة للنفط من خارج المنظمة للاتفاق الذي تم التوصل إليه والخاص بتخفيض الإنتاج لدعم الأسعار، وهو العامل الأساسي الذي حافظ على معدلات الأسعار الحالية. من هنا نجد أن هناك ما يقارب 24 دولة منتجة للنفط تتعاون بصورة جيدة مع تخفيضات الإنتاج، وهو ما يعني أن «الكارتيل» النفطي لم يعد مقتصراً على أعضاء «أوبك» وحدهم، وإنما هناك «سوبر أوبك» تتشكل لتحمي مصالح الدول المنتجة والمصدرة للنفط، بغض النظر عن التناقضات في ملفات عديدة. ولكن ماذا بشأن البلدان المستهلكة، وتلك التي ساعدتها التقنيات الجديدة في مضاعفة إنتاجها من النفط والغاز، كالولايات المتحدة الأميركية التي تحتل مركز الصدارة في إنتاج النفط والغاز الصخريين؟ إذ يتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة هذا العام إلى 6.76 مليون برميل يومياً، ليصل إجمالي إنتاجها إلى 12 مليون برميل يومياً تقريباً، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المعروض، والإخلال بمستويي العرض والطلب، وبالتالي إمكانية التأثير على الأسعار. من هنا جاء التحرك السريع من التشكيلة الجديدة «سوبر أوبك»، والتي صرح كبار مسؤولي البلدان المنتجة بأنهم على استعداد للقيام بالمزيد من التخفيضات لإعادة التوازن للسوق النفطية والمتوقع حدوثه مع نهاية العام الجاري، مما يعني أن حدة التجاذبات في أسواق النفط ستشتد في الفترة المقبلة، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من التقلبات في الأسعار. باعتقادنا أن دول التشكيلة الجديدة ستسعى إلى تماسك اتفاقها والمحافظة عليه وإجراء المشاورات المستمرة لإعادة التوازن للسوق، فالمعادلة بالنسبة لها ببساطة هي الاختيار ما بين إنتاج أكثر وعائدات أقل أو إنتاج أقل وعائدات أكبر، حيث لا مجال للمفاضلة، فالرؤية واضحة والكفة تميل للخيار الثاني. يساعد على ذلك تحول الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط في العالم، متجاوزة روسيا والسعودية، وذلك بفضل النفط الصخري، مما يعني وجود مصلحة لها في استمرار الأسعار الحالية المرتفعة نسبياً، إلا أن التأثير المباشر على توازن السوق سوف يأتي من عوامل السوق ذاتها، أي مستويات العرض والطلب، وهنا بالذات يأتي دور «السوبر أوبك» في المحافظة على التوازن من خلال التحكم في مستويات الإنتاج بتجديد اتفاق التخفيضات المتفق عليه.