الاعتقاد السائد في واشنطن هذه الأيام يقول إن وزير الدفاع جيمس ماتيس هو الرجل الذي يمكن أن ينقذ البلاد من حرب، حيث يرى أصحاب هذا الاعتقاد أن وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو هو صقر الصقور، وأن مستشار الأمن القومي المقبل جون بولتون هو الأكثر تشدداً. ثم إن الرئيس دونالد ترامب نفسه يتوق إلى الاستعراضات العسكرية ويشدد على أن تعذيب الإرهابي «فعال». غير أنه، وعلى غرار معظم الأفكار السائدة في عهد ترامب، فإن كل هذا مجانب للصواب، وذلك لعدد من الأسباب، أولها وأهمها سوريا. فترامب يريد الانسحاب من هذا البلد بسرعة، ولهذا فلا توجد لدينا استراتيجية حقيقية الآن للتصدي للحملة التي يقودها الروس والإيرانيون لحساب «الأسد». فالولايات المتحدة توجد في سوريا من أجل تدمير «داعش» فقط. وذلك ما أعلنه ترامب يوم الخميس في تجمع في أوهايو، حيث قال: «إننا نقضي على داعش، وسننسحب من سوريا قريباً جداً»، مضيفاً: «لنترك الآخرين يتولون أمرها الآن». ورغم خطاب حملته الانتخابية بشأن عقم التدخلات العسكرية، فإن ترامب لم يعمد إلى الانسحاب ببساطة، وإنما رفع القيود على قواعد الاشتباك بالنسبة للقوات الخاصة الأميركية التي تقاتل «داعش» في سوريا والعراق، وفي إحدى أفضل اللحظات بالنسبة لإدارته، ضرب قاعدة جوية للنظام بعد هجوم بغاز الأعصاب قبل عام. والواقع أن وعد ترامب بالخروج من سوريا قد يكون مجرد كلام موجه للحاضرين. فالأمر لا يتعلق بخطاب حول السياسة الرسمية، وإنما بمجرد تجمع كان موضوعه يتمحور حول بناء الجدار الحدودي والهجرة. وربما من الممكن أيضاً أن يكون ترامب قد أخذ أخيراً يسيطر على الحكومة، وينبغي أن نتوقع سياسات تعكس خطابه بطريقة لم نشهدها من قبل. والواقع أن ثمة أسباباً استراتيجية وجيهة لمنع الأسد من استعادة الأراضي التي خسرها في سوريا، إذ من شأن ذلك حرمان راعيته إيران من جسر بري إلى البحر الأبيض المتوسط. لكن السبب الأقوى لمنع الأسد هو إنساني؛ فهذا الديكتاتور قتل ما يكفي من السوريين، وينبغي أن يدفع الثمن، وإنْ من أجل منعه من قتل المزيد، وكرسالة لآخرين أمثاله. وهنا يتهافت الاعتقاد السائد بخصوص بولتون و«المحرضين على الحرب» في محيط ترامب. فمستشار الأمن القومي المقبل ليس من «المحافظين الجدد»، لأنه ليس من المؤمنين ببناء الدول أو استخدام الجيش الأميركي لأسباب إنسانية، وإنما يميني واقعي، عارض تدخل الرئيس بيل كلينتون المتأخر في البلقان. وفي جلسة الاستماع المخصصة لتثبيته في منصبه عام 2005 كسفير للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قال إنه لا يعرف ما إن كان ممكناً لأميركا أن تحاول منع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. وبالمقابل، كان لدى بومبيو سجلاً أفضل بخصوص التدخل الإنساني عندما كان عضواً في الكونجرس، لكنه وافق على سياسة لإنهاء الجهد الأميركي الضعيف لمحاربة نظام الأسد، حيث عمد في يوليو الماضي، عندما كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، إلى وقف برنامج الوكالة لدعم الثوار المعارضين للأسد في سوريا. وهو ما يتركنا أمام ماتيس. فهذا الأخير متردد أيضاً في استخدام القوة العسكرية، وكان حذِراً من التورط في سوريا خلال ولاية أوباما الأولى عندما كان قائداً للقيادة المركزية الأميركية. لكن ماتيس هو أيضاً طالب تاريخ نبيه. فهو يدرك عواقب انسحاب متسرع من سوريا، خاصة إذا كان البديل فراغاً يمكن استغلاله من قبل بقايا «داعش». وهذا أمر خطير لاسيما في الوقت الراهن حيث دخلت تركيا الحرب ضد حلفاء أميركا الأكراد. ولاغرو أن يؤشر ماتيس إلى أن الولايات المتحدة ستنتقل إلى مهمة إرساء الاستقرار في سوريا في ديسمبر المقبل، وهو ما يُضعف الرسالة التي صدرت عن ترامب في أوهايو. ولئن كان ماتيس غير متحمس لتوسيع المهمة في سوريا بقدر تحمس مستشار الأمن القومي المنصرف «إتش. آر. ماكماستر»، فإنه أدرك خطورة انسحاب متسرع من حرب دخلها أوباما بأنصاف تدابير ووعود فارغة. وهو أمر مثير للاستغراب في الواقع؛ ذلك أن مؤسسة واشنطن قلقة بشأن تشدد بولتون وبومبيو ونزعتهما القتالية. وكانت تشعر بالارتياح عندما كان ترامب مكبوحاً من قبل محور من الكبار. غير أنه إذا كان ذلك صحيحاً في حالة الاتفاق النووي الإيراني، فإنه خاطئ في حالة سوريا، لأن الكبار يحثون ترامب على منح فرصة للحرب التي ورثها، وهو الذي يريد تكرار أخطاء سلفه. محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»