أخيراً يوم الأربعاء الموافق 14 مارس 2018 توفي عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينج (stephen-hawking) عن عمر 76 عاماً، بعد أن كان توقع الأطباء أنه سيموت خلال أشهر قليلة. معرفتي بهذا الرجل ترجع إلى عام 1978م حين نشر كتابه قصة قصيرة للزمان (Brief History of the Time) قرأته باللغة الألمانية ثم أعدت قراءته مترجما إلى اللغة العربية وعكفت عليه حفراً لمعرفة ماهو الجديد الذي أتى به هذا الرجل. المفاجأة الأولى من حقيقة هذا الإنسان هي الكَبَد والمعاناة. كان شاباً قوياً يستقبل الحياة، ولكن العلم كان قد خصص له مقعداً متفرداً بطريقة يحتار فيها كل تفسير؛ فقد ضربه مرض عضال وهو في سن 21 في عمر الشباب فتوة وقوة. كان المرض عصبياً مخيفاً، حيث يتناول الشلل عضلات الجسم صعوداً، وكأنه الموت. نعرفه نحن الأطباء جيداً، ويعرف بالتصلب اللويحي الجانبي. الأمراض العصبية مخيفة تضرب أحياناً مثل الإعصار، وأحياناً تترقى تدريجيا، فتستل الحيوية من مفاصل الجسم تترى. أنا شخصياً واجهت حالة غير قابلة للتصديق، حين اتصل بي أحدهم ممن أعرف، فقال ابن أخي بدأ يفقد السيطرة على جسمه وهو شاب يافع! لم ينته النهار إلا وكان الشاب يغرغر في سكرات الموت في العناية المركزة، وتداركته يد الطب وهو محظوظ، لأن الشلل وصل الحنجرة، كما هو في عالمنا (هوكينج)، الذي ترقى عنده المرض صعودا فأصيب بالشلل حتى حنجرته وصوته فكان الرجل يتكلم من خلال كمبيوتر مربوط إلى حلقه ويحرك أصبعا واحدا من يديه حين يريد كتابة كلمات مقطعة. المهم في فيزياء ستيفن هوكينج أنه وضع يده على أحد أسرار الكون بزاوية جديدة هي الثقوب السوداء، ويقول إن أول من انتبه إلى الظاهرة هو العالم (لابلاس) الذي عاصر نابليون، ولغرابة الفكرة فقد حذفها من الطبعة الثانية من كتابه، ولكن اليوم أصبحت ظاهرة معروفة، بل إن آخر الأبحاث تشير إلى أن الثقب الأسود هو من يمسك قلب المجرة بثقله الذي يزيد على أربعة مليارات شمس من وزن شمسنا. الثقب الأسود بكلمة مختصرة هو ذلك النجم الذي ينهار داخليا في جاذبيته وينكمش فلا يتفلت من جاذبيته أنس ولا جان لا مادة ولا نور، ولأنه مظلم لهذا الحد فقد سمي بالثقب الأسود، الذي يلتهم كل ما يقترب منه من مادة وحطام. بل وحتى الضوء! الضربة الأولى في اختراقات (هوكينج) قال ليس الأمر كما ذكرتم بل يمكن أن تتفلت المادة من حوافه وتشع بأمواج من الكهرطيسية. اعترافا بما دل ودُلّل عليه فقد أطلق الفيزيائيون على هذه الظاهرة أمواج هوكينج. الأهم مع ظاهرة الثقب الأسود هو قرنا العلم الجديد أعني عالم الماكرو والميكرو (Macro. Micro) أي العالم الأقصى والأدنى، هوكينج كان يرى في العينين اللتين تبصر بهما الفيزياء الحالية من (النسبية) و(ميكانيكا الكم) يجب أن تتوحد في النهاية بصياغة موحدة للعالم الذي نعيش فيه (World Formel)، وهو المشروع التي اشتغل عليه آينشتاين في السنوات العشرين الأخيرة من عمره. لكن لا آينشتاين ولا هوكينج ولا آخرين حتى اليوم استطاعوا وضع أيديهم على سر الكون الملغز. هوكينج عانى الأمرّين حين بدأ حياته بالمرض، وكاد العلم أن يخسره لولا امرأة حنت عليه وأعطته من الحب والأمل كي يتابع حياته، فتزوج (جين وايلد) التي وهبته أجمل أيامه، فأنجبت له مثنى وثلاث، وتابع حياته بقوة وأمل، فعمّر وأبدع وانضم اسمه إلى الخالدين.