آلاف الشباب تلوثوا منذ تسعينيات القرن الماضي بصعود الإسلام السياسي ووقعوا ضحية الخداع الذي كان يكمن وراء المواقف الشجاعة المصطنعة وتلك المطالب السياسية المشوبة بنزعة تكفيرية للحكومات والمجتمعات. العقدان الماضيان تشوش فيهما فكر شباب وكهول وشيوخ، وتشوه وعي كثير منهم ذكوراً وإناثاً، حيث تصاعدت موجة من عدم الرضا والشكوى، وارتفع إلى حد ما وعي جماهيري بما يجب أن يكون عليه الحكم الرشيد، وماهي حدود سلطة الحكومة / ولي الأمر، وماهي واجباته تجاه رعيته. بالتوازي مع هذا كان فكر ديني متشدد انضافت إليه نزعة «خارجية» عقيدتها أن سياسات الحكومة الحديثة التي تتبعها، والتنظيمات والاتفاقيات والمعاهدات الخارجية والإصلاحات التشريعية الداخلية نكوص عن حكم الشريعة وضلال وتبعية للغرب «الكافر». كان أولئك الذين ينادون من الملتحين بالحريات السياسية في الآن نفسه يدينون بهذه العقائد الضالة! أقلية لاتكاد تذكر من المثقفين والمواطنين المخلصين كانوا على استحياء وتخوف يحذرون من مآلات هذا المد المخيف، ويسرُّون إلى المسؤولين ويكتبون إليهم بما لايمكنهم الجهر به أمام العامة وفي قاعات الجامعات والصالونات الأدبية والمنابر الإعلامية. كان هناك إرهاب يخضع له من يرفع عقيرته، تتكفل به تلك الخلايا والشبكات الممتدة المتغلغلة في كثير من مؤسسات الدولة. كان الخذلان يأتي أولاً من تخلي القيادة السياسية عن واجبها ومداهنتها لـ«الإخوان». لم يكن لأي منا كتاباً وباحثين وإعلاميين أن يكتب مقالة، أو ينطق كلمة ضد الإسلام السياسي حتى يكون على يقين من أن ظهره محميٌّ، وأنه سيجد في الدولة والحكومة حضناً ونصيراً، ويقول له: «اطمئن نحن معك»، فأنا أعرف بعضاً ممن كانوا لقمة سائغة لسادية هذه التنظيمات حين كشفوا عن مخططاتها وأهدافها الخبيثة. في سنوات مضت كان كثير ممن عرف مايمكن أن تفضي إليه المخططات الشريرة لقطر ولحلفائها، يتحاشون الصدام، ويترددون في إبداء امتعاضهم أو رفضهم رغبة أو رهبة. وفي السنتين الأوليين من أحداث «الربيع العربي»، عامي 2011، 2012 «عرج بعقول» نخبة من المفكرين والمثقفين الذين انخرطوا في هذا السراب، وأصبحوا أدوات لتدمير بلدانهم، وبلغت ذروة الفتنة بهذا النموذج الذي أريد له بدعم من الإدارة الأميركية السابقة ومن تركيا أردوغان أن ينجح بالقوة، حداً انزلق معه حتى من كانت رسالتهم توعية الجمهور والنخبة بمخاطر جماعات الدين السياسي. لولا الموقف الحاسم من الإمارات العربية المتحدة في البدء لربما كنا اليوم في وضع آخر. ثمة حقيقة لا فكاك منها، وهي إدراك أي خطر يمكن أن تمثله قطر في هذا السياق، فلا يمكنك أن تتخذ موقفاً ضد التنظيمات الإسلامية بكل ألوانها، وتتجاهل التدمير الذي ترعاه قطر! هل علينا أن نجند أنفسنا لحماية أوطاننا ومجتمعاتنا من سياسات قطر ومن أهداف ومخططات «الإخوان»؟ الجواب: نعم. هي مسألة إذا قارناها بالغايات الكبرى من وجودنا في هذه الحياة، فهي لاتعدو أن تكون هباء في كون الفكر الفسيح، وفي عالم الغموض الفلسفي الذي يلف وجودنا والغرض من كدحنا في هذا العالم، ولكنها واجب كبير على أمثالنا ممن يعون جيداً أي دمار قد يحيق بفكرنا ووجداننا وإيماننا ووطنيتنا إن نحن أسلمنا أنفسنا لخدعها لسموم هذا الفكر الديني الشرير. ولأنه من العسير على من تلوث بفكر «الإخوان» أن يتخلص من أدرانه إلا برحمة من الله، فإن دورنا نحن أن نقوم بتنوير مجتمعاتنا ونتحالف مع العالم لمكافحة وخنق هذا البلاء الظاهر، وما خفي أعظم.