في 24 مارس الحالي، ومن خلال كوكبة من الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات والندوات، أحيت العديد من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والجمعيات الخيرية العاملة في مجال الصحة العامة الدولية، ذكرى اليوم العالمي لمرض السل (World TB Day) والذي وافق يوم السبت الماضي. وحملت فعاليات هذا العام سمة خاصة، تجسدت في عنوانها «مطلوب: قادة لعالم من دون مرض السل»، بهدف التركيز على بناء التزام وتعهد دولي بالقضاء على مرض السل، ليس فقط على الطبقة السياسة المكونة من رؤساء الدول ووزراء الصحة، وإنما أيضا على مستوى المحافظين، وحكام الولايات والمقاطعات، وعمداء ورؤساء المدن، وأعضاء المجالس النيابية ومجالس الشورى، وقادة المجتمع، ونشطاء مؤسسات المجتمع المدني، والعاملين في القطاع الصحي من الأطباء والممرضات، والمنظمات الصحية غير الحكومية، بالإضافة طبعاً إلى المرضى أنفسهم، وباقي أفراد أسرهم وأصدقائهم الذين تأثروا بهذا المرض بشكل مباشر أو غير مباشر، فهؤلاء جميعاً، يمكن أن يكونوا قادة، كل في موقعه، ومن خلال مجال عمله. وضمن هذا النسق، وتماشياً مع هذا النمط في التفكير، يعتزم قادة دول العالم من رؤساء وملوك، وتحت عباءة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقد اجتماع شهر سبتمبر القادم في مدينة نيويورك، للعمل سوياً، ولتوفيق الجهود الرامية للإسراع من تحقيق هدف القضاء على مرض السل، وإيصال إجراءات الوقاية والعلاج إلى جميع المرضى في مختلف دول ومناطق العالم. مثل هذا الاجتماع، عال المستوى، وغير المسبوق، يشكل خطوة هائلة للأمام، لجميع الشركاء المتضافرين في الحرب العالمية المستعرة حالياً ضد ميكروب السل، كما أنه يعتبر استكمالاً للمشوار الذي بدأ منتصف شهر نوفمبر الماضي، من خلال الاجتماع الوزاري لوزراء الصحة في العاصمة الروسية موسكو، ونتج عنه التزام من أعلى المستويات السياسية في 120 دولة، بضرورة الإسراع من الخطوات اللازمة لوقف مرض السل. ويعتبر ميكروب مرض السل من الميكروبات التي لازمت الجنس البشري منذ فجر التاريخ، حيث وجدت آثار المرض في بقايا عظام إنسان الكهف، وفي العمود الفقري لمومياوات الفراعنة. وظل هذا المرض يحصد أرواحا بشرية بالملايين خلال العقود والقرون وآلاف السنين، وقد بلغ ذروته خلال القرن الثامن عشر في أوروبا، حينما كان السل الذي عرف ب«الطاعون الأبيض» مسؤولا عن 25 في المئة من جميع الوفيات بين سكان القارة الأوروبية. وخلال القرنين الماضيين، مع تحسن نظم الصرف الصحي، وارتفاع مستوى النظافة بوجه عام، ومستوى المعيشة ونوعية التغذية، بالإضافة إلى التطور الهائل في مجال التطعيمات الطبية، وغيرها من إجراءات الصحة العامة، تراجع خطر ميكروب السل بشكل كبير. إلا أن العلامة الفارقة في تاريخ العلاقة بين هذا الميكروب وأفراد الجنس البشري كانت مع اكتشاف عقار «ستربتوميسين» عام 1946، الذي يعتبر أول علاج فعال ضد المرض، مما جعل تحقيق الشفاء التام هدفاً من الممكن تحقيقه. وعلى رغم موجة التفاؤل التي سادت المعنيين بجهود مكافحة مرض السل على الصعيد الدولي خلال العقدين الماضيين، انطلاقاً من نجاح استراتيجية مكافحة المرض خلال تلك الفترة، إلا أن موجة التفاؤل تلك شهدت انحساراً ملحوظاً مؤخراً، في ظل تزايد المخاوف من فشل جهود التحكم والوقاية، والشعور بالحاجة إلى منهج ورؤية حديثة في التعامل مع السل، نتيجة ارتفاع معدلات الإصابة بأنواع من الميكروب مقاومة لجميع أنواع العلاج المتاحة، مما يجعلها غير قابلة للعلاج تقريباً. وهو الوضع العالمي الذي تتضح فداحته من خلال الإحصائيات التي تظهر أن مرض السل حالياً، يعتبر من أهم عشرة أسباب للوفيات بين أفراد الجنس البشري. ففي عام 2016 مثلا، أصيب أكثر من عشرة ملايين شخص بالمرض، لقي 1.7 مليون منهم حتفهم. ومن بين هؤلاء كان هناك مليون طفل أصيبوا بالمرض، توفي منهم 250 ألفا خلال عام واحد، وهو السيناريو الذي أصبح يتكرر سنوياً. وإنْ كان على الجانب الآخر، يُقدر أن جهود وإجراءات التشخيص وعلاج مرض السل، قد نجحت في إنقاذ حياة أكثر من 53 مليون شخص، ما بين عامي 2000 و2016، وهو ما يجعل من هدف وقف الوباء العالمي الحالي بحلول عام 2030، والذي يعتبر من ضمن أهداف التنمية المستدامة، حلماً يأمل الكثيرون في تحقيقه.