كان الرحيل المتوقع منذ فترة طويلة لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، في النهاية، أمراً مفاجئاً إلى جانب أنه شكّل مثالاً واضحاً على الطبيعة المتقلبة لقرارات الإدارة الحالية، وعزم رئيسها على أن يكون رئيس نفسه فحسب. كان تيلرسون مسافراً إلى أفريقيا في مهمة هدفها المساعدة على إصلاح الأضرار الناجمة عن تصريحات ترامب السابقة حول القارة الأفريقية. ومن الواضح أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من كبير مستشاري البيت الأبيض «جون كيلي»، يخبره أن الرئيس يريده أن يترك منصبه، لكنه لم يتلق أي اتصال رسمي من الرئيس. وقد علم في بادئ الأمر عن فصله، من خلال تغريدة لترامب على تويتر في السادس من مارس، وفيها شكر الرئيسُ وزيره تيلرسون على خدماته، وقال إنه بصدد تعيين «مايك بومبيو»، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ليحل محل تيلرسون. وقال ترامب على تويتر: «مايك بومبيو مدير المخابرات المركزية سيصبح وزير خارجيتنا الجديد. سيقوم بعمل رائع». وفي المقابل، قال تيلرسون إنه ممتن لأنه أتيحت له الفرصة للعمل في وزارة الخارجية، لكنه لم يقدم أي شكر لترامب لأنه أتاح له الخدمة في هذا المنصب. والحقيقة هي أنه على الرغم من أن تيلرسون كان يعامل بشكل غير مناسب من قبل ترامب، إلا أنه كانت هناك القليل من الدموع التي ذرفت على رحيله داخل مؤسسة السياسة الخارجية. فقد كانوا ينظرون إليه باعتباره يفتقر إلى الخبرة، وبعيد، ومن الصعب العمل معه، مع نية جلب بعض المتخصصين المتميزين في السياسة الخارجية منذ فترة طويلة للعمل في الوزارة. وبصرف النظر عن إخفاقاته كقائد إداري، فإن الميزة التي كان يتحلى بها تيلرسون هي علاقته الوثيقة بمستشار الأمن القومي «إتش أر ماكمستر»، ووزير الدفاع «جيمس ماتيس». فقد كان الرجال الثلاثة ينظر إليهم كلاعبين آمنين وأنهم اقتربوا من وظائفهم بحرص وحذر ومثلوا نقطة تعارض ضرورية لترامب واندفاعاته الخطيرة أحياناً أمام الحلفاء، علاوة على ملاحظاته الغامضة عن التجارة، وتصميمه على توسيع الترسانة النووية الأميركية، وبالتالي سباق التسلح النووي. أما وزير الخارجية المرشح «مايك بومبيو»، فسيجلب للوزارة الخبرة السياسية والإدارية على حد سواء، علاوة على أنه تربطه بترامب علاقة وثيقة، وهو الأمر الذي يرى العديد من المراقبين أنه خبر جيد وسيئ في نفس الوقت. الخبر الجيد هو أن الرجلين يتعاملان معاً بشكل ودي، كما أنهما على ما يبدو يتشاركان في نفس الرؤى بشأن أجندة ترامب الشاملة. وعلاوة على ذلك، فإن بومبيو هو عضو جمهوري سابق في الكونجرس ومرتبط بحركة «حزب الشاي» اليمينية من الحزب الجمهوري. وقبل انضمامه للكونجرس كان يحقق نجاحا في حياته المهنية العسكرية والتجارية. وفي الأكاديمية العسكرية للجيش الأميركي «ويست بوينت» كان بومبيو الأول على دفعته، وبعد ذلك خدم لمدة خمس سنوات في الجيش، بما في ذلك القيام بجولات في ألمانيا وحرب الخليج الأولى. وبعد ذلك ذهب إلى كلية الحقوق بجامعة هارفارد حيث حصل على درجة الدكتوراه في القانون، وبعدها عمل كمحرر في مجلة هارفارد القانونية. أما الأخبار السيئة، من وجهة نظر بعض المراقبين، فهي أن بومبيو يشارك ترامب في ازدرائه اتفاق إيران النووي والتشكك في قضية التغير المناخي. وقد يعني العامل الإيراني أن ترامب سيواجه الآن قيوداً أقل على تصميمه بشأن إنهاء أو إعادة التفاوض حول خطة العمل المشتركة الشاملة التي وقعها سلفه أوباما في عام 2015. وإذا رفض ترامب، كما وعد، التصديق على امتثال إيران بشروط الاتفاق النووي، فسيكون الأمر متروكاً للكونجرس لتقرير ما إذا كان سيعيد فرض العقوبات على طهران مجدداً. وبما أنه من غير المرجح أن توافق أي من الدول الأخرى المشاركة في الاتفاق على هذه الخطوة، فهناك احتمال أن تعتبر إيران الاتفاق منتهياً، وتتخذ خطوات لاستئناف تلك الأنشطة النووية التي تعلقها حالياً. ومن شأن هذا أن يؤدي إلى تصعيد التوترات في جميع أنحاء المنطقة وإلى زيادة احتمال الانتشار النووي. ومن الممكن أن تتزامن هذه الأحداث مع الاجتماع المقترح بين الرئيس ترامب وزعيم كوريا الشمالية «كيم يونج أون» لمناقشة برنامج الأسلحة لكوريا الشمالية. ولا توجد أي مؤشرات على أن الولايات المتحدة ستقدم تنازلات لكوريا الشمالية حتى توافق الأخيرة على إنهاء برامجها النووية والصاروخية. ولن يكون لدى كوريا الشمالية أي حوافز لتغيير سياستها النووية إذا كان ينظر إلى الولايات المتحدة، وهي تبتعد عن الاتفاق النووي الإيراني متعدد الأطراف. ومن الممكن أن يواجه ترامب بعد ذلك أزمتين نوويتين في الوقت الذي يهدد فيه بشن حروب تجارية ضد الصين وكوريا الجنوبية وأوروبا، وهم ثلاثة لاعبين ضروريين للعمل معه لتجنب احتمالات حدوث أي مواجهة عسكرية في شبه الجزيرة الكورية وفي منطقة الشرق الأوسط.