في ضوء الأحداث التي جرت وشكلت فيها المعارضة جُل اعتراضاتها على حكم ولاية الفقيه بكل جرأة، وكسرت حاجز الخوف، وطالبوا بإسقاط نظام «المرشد»، وتفاقمت الأزمات السياسية الإيرانية والاحتجاجات التي بدأت منذ ديسمبر الماضي لتمتد إلى خارج حدود إيران بعد أن خرجت عن نطاق الاحتجاج على تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية ووصلت الاحتجاجات إلى خارج إيران على إثر اعتقال السلطات الإيرانية للمرجع الشيعي حسين الشيرازي المعارض لولاية الفقيه لتمتد تبعاته إلى الكويت ولبنان والعراق ووصل إلى بريطانيا، إذ اقتحم أتباع التيار الشيرازي السفارة الإيرانية في لندن، ورفعوا أعلام الحراك الشيرازي، ما جدد صراع المرجعيات داخل الحوزة، أو ما وصفه بعض المراقبين بأنه «صراع العمائم» ليضاعف من أوجاع النظام الثيوقراطي، الذي أخذ يشيخ في طهران. هذه الصورة التي تركت آثارها وتبعاتها على نفسية الشعب الإيراني الذي خرج من تكتمه وحيائه على تقاليده في نظرة الاحترام والقدسية لشخص «ولاية الفقيه» مرشد الثورة خامنئي الآن تلاشت هذه الصورة بنسبة كبيرة ومؤلمة جداً، وسيكون لها تأثيرها الفاعل على استمرار حكم ولاية الفقيه التي ماج بها الشارع الإيراني، ما يسمح للمتابع بأن يطرح بإمكانية «التحول التاريخي» في المستقبل القريب أو المتوسط. هذا متغير داخلي بكل تجلياته، له فعله الكيماوي وما يوازيه متغير ثانٍ خارجي، له تأثيراته الفاعلة بقوته الناعمة، حسب ما كشف مصدر فرنسي رفيع المستوى لصحيفة «الحياة» أن زيارة وزير خارجية فرنسا لطهران الأسبوع الماضي تخللها بعض التوتر، إذ أكد الإيرانيون أنهم لا يبالون بعدم التزام أوروبا وواشنطن بالاتفاق النووي ما دفع وزير الخارجية الفرنسي للقول: إنه يفضّل العودة إلى فرنسا في حال سيأخذ النقاش هذا المنحى. الوزير الفرنسي أكد أن تزويد إيران «الحوثيين» و«حزب الله» والنظام السوري بالصواريخ البالستية غير مقبول، داعياً طهران لاستخدام نفوذها على «الحوثيين» لوقف قصف السعودية والذهاب إلى المفاوضات. ولا يستبعد أن وزير الخارجية الفرنسي نقل رسائل أميركية تعبر عن توجهات الرئيس ترامب. الإيرانيون يصرحون في الظاهر ما يحفظ لهم قوتهم الاستعراضية للاستهلاك الداخلي، وإيران تدرك أنه عندما يبلغ الموقف مداه في الضغط والشدة من جانب أميركا، سوف تسلم بوقف الأنشطة وسيضطرها الأمر إلى ترك ما تقوم به من أعمال تقوض النظام الإقليمي والدولي في دعمها للإرهاب، ومد السلاح للميليشيات الخارجة على سلطة الدولة. وبما أن المعلومات عَصب التحليل السياسي، فإن هناك معلومات ترشح بما تعزز التصميم الأميركي تحت مظلة التفاوض النووي، سوف تلجأ واشنطن ومعها الدول الأوروبية إلى ضغوط شديدة اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية خاصة في سوريا والعراق للتوصل إلى اتفاق ملحق للاتفاق النووي، وربما يتم فِي لوزان بسويسرا لتسلم بوقف تطوير الصواريخ الباليستية، ووقف تصدير الثورة، وتغيير سلوكها السياسي والالتزام بالأنظمة الحاكمة للعلاقات الدولية، بما ينسجم مع محيطها الإقليمي. ويمكن أن أضيف أن المفاوضات التي ستضطر إيران لقبولها سوف يعمل الأميركان والدول الأوروبية لإقناعها بالتحول إلى دولة طبيعية بما تؤول في النهاية بعد سنوات إلى التخلي عن نظام ولاية الفقيه. ومن جهة أخرى ذات صلة، فإن الأميركيين والأوروبيين يَرَوْن «أنه لا يمكن إيجاد حل للقضية الفلسطينية في إطار مبادرة السلام وإيران يحكمها النظام الديني المعادي للنظام الإقليمي والدولي». وأتوقع أن الإيرانيين وإنْ كانوا في الظاهر يبدون شرسين في تصريحاتهم العلنية، لكنهم يقرؤون الأحداث والرسائل ويحللونها خاصة الأميركية، وأعتقد أكثر ما يثقون ويخشونه هو موقف لندن التي تتشاور معها واشنطن، خاصة في الشؤون الخليجية. هناك مؤشرات عبّر عنها وزير خارجية إيران جواد ظريف تنم عن تليين في موقف إيران في أثناء زيارته لباكستان في 3 مارس صرح بشأن السعودية بما يشبه «النكتة» أن بلاده ستكون أول دولة تقف إلى جانب السعودية في حال تعرضها لأي عدوان، «وقد يكون ظريف صادقاً لو استكمل تصريحه بالقول «في حال تعرضها لعدوان إيراني».!