من يعتقد أن التحالفات والتقارب الحميمي في السياسة بين الدول التي تجمعها عوامل ومصالح متداخلة ومصير مشترك أمر دائم، فهو مخطئ لكون ذلك يخالف جوهر السياسة، فهذه الأخيرة هي فن الممكن لتحقيق مصلحة كل دولة على حدة، والمصير المشترك اليوم لربما هو عبء أكبر غداً، ومن جانب آخر قد تجد خلافاً رئيساً بين دولتين أو أكثر ونزاعاً حقيقياً وتنافراً كبيراً اليوم، ولكن في المستقبل القريب سيتحول إلى تعاون شامل وتفاهم وصفقة جديدة ستفرضها عليهم ظروف مواجهة الخطر الكامن بين خطوط المصالح واتفاقيات جانبية لكل طرف مع القوة العظمى نفسها، والتي بدورها ستعمل على ضمان عدم تأثر مصالحها بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية والتصرف بصورة فردية ومطلقة لتحييد الجميع، وبما في ذلك الساسة والأحزاب التي تحكم في الظاهر، وهي مسيطر عليها في الباطن بمن يحرك الاقتصاد وصناعة الصراعات في العالم خلف الكواليس. وتعد الخلافات الحادة الحالية مقدمات لصراع أشمل، قد يمتد لعقود، وذلك لصعوبة إيجاد الحل الذي يقتلع جذور المشكلة، وهو التحدي الأكبر في تطور سير الأحداث، حيث إن التركيز مُنصب على التداعيات والأمنيات والوساطة وأمور لا تلامس جوهر المشكلة لتورط أطراف أخرى في الصراع، ليخرج من كونه خلافاً داخل البيت الواحد! وإنْ كان يجمع الشعب الخليجي مصير واحد، وهو الوحدة الخليجية التي هي مطلب رئيس بعيد المنال إلا أنها فاتورة الضمان الوحيدة التي يجب أن يدفعها الشعب الخليجي الآن باستخدام بعض مما يملك، قبل أن يضطر غداً أن يبيع كل ما يملك لدفع جزء منها فقط. فالأمن الخليجي في مهب الريح، وهناك مخاطر تتعلق بالدخول في دوامة خطط تقسيم المنطقة وإفراغها من مضامينها الأساسية التي جعلتها مطمعاً لقوى الهيمنة الأجنبية الكبرى، في ظل المركزية في مؤسسات دعم القرار السياسي وسطوة خطاب المصالح الدولية الإمبريالية، وبطء التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي، والتي يجب ألا يمنح البرلمان حق احتكار السلطة، بحيث يكون للملك جميع الصلاحيات التي يملكها رأس الدولة في النظام البرلماني الرئاسي المختلط، وكذلك الصلاحية التشريعية (الفيتو التشريعي) التي يملكها رئيس الدولة في النظام الأميركي، ليُعاد صياغة مفهوم الدولة الخليجية بما يتناسب مع معطيات العصر السياسي والشروع في تطوير المرحلة الثانية من بناء أسس الدولة المدنية المعاصرة. وقد نجح نظام الحكم في منطقة الخليج العربي لقرون طويلة، في ظل الثقافة السائدة، والتركيبة السكانية، عندما كان أبناء البلد الأصليون هم الأغلبية وهم من يُمثل الثقل الاقتصادي الأكبر في البلد، ولم تكن هناك أطماع جارفة كما هي الحال اليوم، ولكن بعد التجربة القطرية والوبال التي جرته على المنطقة ككل، والتصرف خلافاً لرغبة الشعوب، لربما قد حان الوقت للتخطيط الجاد لنظم ستلائم عقليات السكان في العشرين سنة القادمة وتنسجم مع تحولات النظام العالمي، وتشكل نضجاً يُحسب في الوعي السياسي، مع ذبول أفكار وتأثير طبقة النخب الفكرية والسياسية النفعية، وتحول المؤسسات الاقتصادية الكبرى متعددة الجنسيات للاعب رئيس في صنع القرار المحلي، وهو ما قد ينتج عنه صياغة عقد اجتماعي جديد، واستخدام الوسائل الإدارية السياسية الافتراضية، وبروز قوى مالية غير تقليدية ستغير وجه الاقتصاد والسياسة معاً إلى الأبد. ويتساءل الفرد العادي في المجتمع: متى سيكون هناك حل للخلاف المتصاعد؟ وكيف سيتم تحويل التحديات والمخاطر إلى فرص تحدُ من تأزيم الموقف؟ الخلاف خلق بدوره أزمات جانبية يعاني منها اقتصاد المنطقة والسياسات التنموية وسعادة واستقرار الشعوب، لا سيما أن الأزمة الخليجية أفرزت واقعاً جديداً في المنطقة والعالم العربي ككل، ووجود عسكري تركي وإيراني ومشاريع اقتصادية معسكرة لمحاصرة الخليج العربي في صفقات انتقائية تطوق المنطقة، وتغير قواعد اللعبة في الإقليم. ويبدو أن قطر قريباً ستأخذ موقفاً أقل حدة وتطرفاً حيال أشقائها في المنطقة دون إغلاق قناة «الجزيرة»، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، ودون قطع العلاقات العسكرية والأمنية مع إيران، ومن المرجح أن توافق قطر على تقديم تنازلات طفيفة كالتخلص «السينمائي» -في مشهد تمثيلي بارع- من المجموعات التي تنظر إليها الدول المقاطعة بأنها إرهابية في أراضيها، ولكن دون إجراء تغييرات حقيقية على السياسة القطرية، وسيتدخل البيت الأبيض بقوة لفرض صلح غير توافقي بين دول المنطقة من جهة ومن جهة أخرى لوقف النزوح الصيني الروسي على المنطقة وعملائهم البارعون في البلطجة السياسية التي تتراوح بين الناعمة والصلبة.